للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أن السلطان طابت له الإقامة هناك، فأقام نحو ثلاثة شهور - وكان زمن الربيع - وكان بالقاهرة أوخام وموت، فأقام السلطان هناك حتى تذهب تلك الأوخام عن المدينة، فكان هناك في ارغد عيش، وعنده في كل ليلة مغاني عرب وخيال ظل وحراقة نفط

وهو لا يدري ما خبئ له في الغيب من الحوادث، فكان كما قيل:

ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة … وحق لسكان البسيطة أن يبكوا

فلما أقام السلطان هناك هذه المدة، وكان بعض الأمراء يرمي بين السلطان وبين الأمير يلبغا الفتن، وكان الأمير يلبغا من مماليك السلطان حسن، فحسنوا للسلطان الفتك به، فدبت بينه وبين السلطان عقارب الفتن. فلما كانت ليلة الأربعاء تاسع جمادي الاولى وهو في الخيام، أحس الأمير يلبغا بذلك فخرج من الخيام، فلما كبس عليه السلطان لم يجد بالخيام أحدا - وكان الأمير يلبغا قد أكمن للسلطان كمينا - فلما رجع خرج عليه ذلك الكمين فوقع مع السلطان واقعة عظيمة، فقتل من مماليك السلطان جماعة، وانكسر السلطان وغرق عسكره، فهرب تحت الليل وعدى من طرا، وطلع إلى القلعة فتبعه الأمير يلبغا.

فلما طلع السلطان إلى القلعة لم يجد معه من المماليك إلا القليل، ولم يكن معه من الأمراء سوى الأمير ثامن تمر العمرى والأمير أيدمر الدوادار الكبير وبعض مماليك صغار، فلم يجد السلطان للمماليك خيولا يركبونها لأن الخيول كانت في الربيع. فلما أسفر النهار حطم الأمير يلبغا وطلع إلى الرميلة وحاصر السلطان وهو في القلعة، فلما رأى السلطان عين الغلبة نزل من القلعة - هو والأمير أيدمر الدوادار - ولبسوا زي العرب، وقصد السلطان بأن يتوجه نحو الشام ليستنجد بالأمير بيدمر الخوارزمي نائب الشام.

فلما نزل السلطان من القلعة ووصل إلى المطرية قبض عليه وعلى الأمير أيدمر الدوادار جماعة من العربان وأحضروهما إلى الأمير يلبغا. فأما الأمير أيدمر فقيدوه، وأرسلوه إلى السجن بثغر العهد به … قيل أنه خنق ورمى في البحر ولم يعرف له مكان قبر، ولم يدفن في مدرسته داخل القبة التي بها. وكانت قتلته في ثاني عشر جمادي الأولى سنة اثنتين وستين واربعمائة، وكان ملكا شجاعا، بطلا، مقداما مهيبا، نافذ الكلمة، وافر الحرمة، عالي الهمة. وكان محبا للرعية، غير أنه كان كثيرا ما يصادر أرباب الوظائف لأجل المال. وكان له من العمر ما مات نحو سبع وعشرين سنة، وقد دارت لحيته. وكان عربي الوجه، أشقر اللحية، أشهل العينين لأن أمه كانت رومية الجنس. وكان نحيف

<<  <  ج: ص:  >  >>