للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشرى الذي قد عاش طول حياته … عيش الملوك ومات بالسلطان

فكان لسان حال القاضي تقي الدين مع السلطان برقوق كما قد قيل في المعنى:

أحمل نفسي كل وقت وساعة … هموما على من لا أفوز بخيره

كما سود القصار في الشمس وجهه … حريصا على تبييض أثواب غيره

ولما توفى القاضي تقي الدين خلع السلطان على القاضي موفق الدين أبي الفرج، واستقر به ناظر الجيوش المنصورة عوضا عن القاضي تقي الدين وقد راحت القلعة في كيسه.

وفي هذه السنة كانت وفاة الشيخ الإمام العالم العلامة أكمل الدين محمد، ابن الشيخ شمس الدين محمد، ابن الشيخ جمال الدين أبي الثناء محمود الرومي البابرتي الحنفي شيخ الخانقاه الشيخونية. وكانت وفاته في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر رمضان من سنة ست وثمانين وسبعمائة المقدم ذكرها، ودفن في يوم الجمعة قبل الصلاة، وكانت جنازته مشهورة، وحضر السلطان جنازته، وأخرجوه من الخانقاه الشيخونية والسلطان ماش قدامه من الخانقاه إلى سبيل المؤمنين، وأراد أن يحمل نعشه فلم يمكنه الأمراء من ذلك، فصلوا عليه في سبيل المؤمنين، ثم أنهم أعادوا إلى الخانقاه والسلطان ماش قدامه حتى طلعوا به إلى الخانقاه فدفنوه داخل القبة إلى جانب قبل الأتابكي شيخو والسلطان حاضر دفنه.

وكان الشيخ أكمل الدين من أكابر علماء الحنفية. وكان بارعا في العلوم، وله عدة مصنفات في أنواع العلوم، وكان السلطان يسأله أن يتولى قاضي القضاة الحنفية فيأبى من ذلك، وكان الأتابكي شيخو جعله ناظرا على وقفه، وكان له في مصر حرمة وافرة وكلمة نافذة عند الحكام والأمراء، ومات وله من العمر نحو خمس وسبعين سنة.

وقد رثاه ابن أبي حجلة بقوله:

شيخ إلى سبل الرشاد مسلك … وسبيله في العلم ما لا يجهل

شيخ تبحر في العلوم فمن رأى … بحرا يسوغ لوارديه المنهل

شيخ عليه من المهابة رونق … كالبدر لكن وجهه متهلل

<<  <  ج: ص:  >  >>