وفيها حضر الأمير أيتمش البجاسي من الشام هو وجماعة من الأمراء، وكانوا توجهوا إلى الشام بسبب منطاش، فبلغ السلطان أنهم كانوا متعاملين على الفساد مع منطاش، فلما حضروا قيد منهم جماعة ونفاهم إلى ثغر الاسكندرية.
وفيها جاءت الأخبار بأن منطاش قد ملك حماء وحمص وبعلبك ولم يشوش على أحد من أهلها، فمال إليه الرعية وصاروا يسلمونه المدن من غير قتال. ثم أن منطاش توجه إلى الشام وحاصر المدينة، فخرج إليه نائب الشام فهرب منطاش إلى جبل بقرب من طرابلس، فتبعه نائب الشام، فجاء منطاش من وراء ذلك الجبل وجاء إلى دمشق فلم يجد بها أحدا من الأمراء ولا النائب، ففتح له عوام دمشق باب كيسان الصغير، فدخل منه إلى المدينة ونهب الأسواق وأخذ أموال التجار، وكبس على الاصطبلات التي بالشام وأخذ منها نحو مائة فرس، والتف عليه جماعة من عسكر دمشق فقويت شوكته وراج أمره. فلما بلغ السلطان ذلك نادى للعسكر بالعرض، وقوى عزمه على الخروج إلى منطاش، وعلق من يومه الجاليش ثم عرض العسكر وأنفق عليهم في يومه.
فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر من شهر شعبان، خرج السلطان وتوجه إلى نحو الريدانية في موكب عظيم، وطلب طلبا عظيما، وخرج مع أمير المؤمنين المتوكل والقضاة الأربعة وسائر الأمراء. فلما استقر بالريدانية طلب الأمير حسين بن باكيش نائب غزة - وكان مسجونا بخزانة شمايل - فلما حضر بين يديه أمر بتوسيطه، وأحضر جماعة من الأمراء كانوا في خزانة شمايل من عصبة منطاش فأمر بتوسيطهم، فهلكوا أجمعون.
ثم أن السلطان جعل المقر السيفي كمشبغا الحموي نائب الغيبة بمصر إلى أن يعود إليها السلطان. وكان كمشبغا الحموي - من حين حضر من حلب - مقيما بالديار المصرية، وكان الملك الظاهر يميل إليه دون غيره من سائر الأمراء، فاختاره بأن يكون نائب الغيبة إلى أن يعود السلطان إلى مصر. ورسم السلطان للمقر السيفي سودون الفخري نائب السلطنة بأن يقيم في القلعة إلى أن يعود السلطان. ورسم للأمير بجاس النوروزي بالإقامة في الايوان الذي بالقلعة وترك عنده ستمائة مملوك، وترك بالقاهرة من الأمراء: المقر السيفي قطلوبغا الصفوي حاجب الحجاب، والأمير تنجاص السودوني، وترك بالقاهرة من الأمراء العشراوات والحجاب نحو عشرين أميرا.