فلما ركب علي باي وجرى منه ما جرى قبضوا عليه، فلما طلعوا به إلى القلعة سجنه السلطان، ثم طلبه في قاعة البحرة وخلا به وقال له:"من ألجأك إلى هذا الذي قد فعلته؟ ". .. فقال:"ما ألجأني أحد لذلك، ولكن فعلت ذلك من قهري منك حيث لم تأخذ بثأري من أقباي".
ثم أن السلطان أحضر إليه المعاصير وعصره بحضرته، وقرره ان كان لأحد من الأمراء خبرة في ذلك، فبرأ سائر الأمراء، فصار السلطان يعصر على باي في كل يوم مرتين ويقرره فلم يقر بشيء، فتزايد حنق السلطان عليه فضربه بكاز فولاد كان في يده فخسف به صدر علي باي فمات من وقته، فغسلوه وكفنوه ودفنوه تحت الليل وانقضى أمره، وصار ذلك مثلا بين الناس يقولون:"زلة علي باي" فكان كما قيل في المعنى:
وإذا كانت النفوس كبارا … تعبت في مرادها الأجسام
ثم أن السلطان أفرج عن الأمير يلبغا الأحمدي أستادار ونزل إلى بيته، وخلع على الأمير أرسطاي ابن خجا علي واستقر به رأس نوبة النوب عوضا عن علي باي، وخمدت هذه الفتنة عن الناس.
فلما كان يوم الاثنين وقت الظهر ماجت الرميلة ولبس المماليك آلة الحرب ووقفوا في الرميلة، فغلقوا باب السلسلة وأشاعوا بين الناس أن الأمير أقبغا اللكاش والأمير يلبغا الأحمدي الاستادار قد ركبا على السلطان … وليس لهذا الكلام صحة.
وكان سبب هذه الفتنة أن بعض المماليك السلطانية رأى مملوكا من مماليك علي باي فساق خلفه وتبعه وسيفه مسلول، فظن الناس أن العسكر قد ركب على السلطان، فلبس المماليك آلة الحرب وطلعوا إلى الرميلة، وأشاع العوام بأن يلبغا الأحمدي وأقبغا اللكاش قد ركبا على السلطان. ثم أن يلبغا الأحمدي وأقبغا اللكاش طلعا إلى القلعة وقالا للسلطان:
"يا خوند، هذا كذب العوام، فالسلطان لا يصدق فينا كلام". ثم أن السلطان قبض على يلبغا الأحمدي وأرسله إلى ثغر دمياط، وخلع على الناصري محمد بن سنقر البجكاوي واستقر به استادارا عوضا عن يلبغا الأحمدي.
وفي أثناء هذه الواقعة قبض السلطان على سبع أنفس من جماعة علي باي ورسم للوالي بأن يسمرهم، فسمروا وطافوا بهم في القاهرة على الجمال، وكان فيهم شخص عجمي يسمى رمضان، وكان علي باي يقول له يا أبي، وفيهم مملوك أقبغا الفيل كان أغات عني باي، فوسطوا الجميع عند بركة الكلاب.