يموت من الملوك، وكثر عليه الأسف والحزن والبكاء من الناس حتى وصولا به إلى البقعة التي اختار الدفن فيها، فحفروا له هناك قبرا ودفنوه فيه بين قبور المشايخ والفقراء الذين هناك، ونصبوا على قبره خيمة كبيرة، وأقام القراء يقرءون على قبره ثماني ليال متوالية، وكان القائم بأمر المأتم الأمير يلبغا الأحمدي الاستادار، والناصري محمد بن سنقر البجكاوي استادار الذخيرة.
فلما كان يوم السبت ثاني يوم موت الملك الظاهر طلع الأتابكي أيتمش هو والأمراء إلى القلعة، وعينوا الأمير سودون الناصري الطيار بأن يتوجه إلى تنم الحسنى نائب الشام بالتعزية بموت الملك الظاهر والبشارة بسلطنة ولده الملك الناصر، وعينوا الأمير يلبغا الحافظي إلى نائب حماه وكذلك إلى نائب غزة وكذلك إلى نائب الكرك، وعينوا الأمير سنبغا إلى الأمير نصر شيخ آل فضل، وأرسلوا إليه خلعة بأن يكون على عادته.
ولما كان يوم الاثنين ثامن عشر شوال عمل السلطان الموكب في القصر واجتمع الأمراء، فلم يطلع الأمير سودون أمير آخور كبير - وكان من قرابة الملك الظاهر برقوق - فلما امتنع من الطلوع إلى القلعة أرسل خلفه الأتابكي أيتمش فلم يطلع، فأرسل خلفه ثانيا فلم يطلع. وكثر القال والقيل بين الناس، فأرسل الأتابكي أيتمش يقول له انزل من الاسطبل إلى بيتك، فامتنع من ذلك وأرسل إلى الأتابكي أيتمش جوابا يابسا، فحنق منه أيتمش فأرسل إليه جماعة من المماليك فقبضوا عليه وقيدوه وأرسلوه إلى السجن بثغر الاسكندرية … فهذه كانت أول ما جرى من الحوادث في دولة الملك الناصر فرج.
ثم أن الأتابكي أيتمش تحول وطلع إلى باب السلسلة وسكن به.
ولما كان يوم الخميس حادي عشرى شوال عمل السلطان الموكب وخلع على من يذكر من الأمراء وهم الأتابكي أيتمش البجاسي أتابك العساكر على عادته واستقر أمير آخور كبير أيضا، وخلع على المقر السيفي ثغرى بردى واستقر به أمير سلاح، وخلع على المقر السيفي أرغون شاه واستقر به أمير مجلس، وخلع على المقر السيفي أرسطاي واستقر به راس نوبة النوب، وخلع على المقر السيفي بيبرس واستقر به دوادارا كبيرا، وخلع على المقر السيفي فارس واستقر به حاجب الحجاب، وخلع على الأمير يلبغا الأحمدي واستقر به استادارا على عادته، وخلع على الصاحب تاج الدين بن أبي شاكر واستقر به وزيرا، وأنعم على جماعة من الأمراء بتقادم ألوف وامريات أربعين وامريات عشرة، وخلع على الشيخ بدر الدين محمود العيني الحنفي واستقر به محتسب القاهرة عوضا عن تقي الدين المقريزي، وهذه أول وظائف للعيني بمصر.