الأمراء بتقادم ألوف عوضا عمن نفى من الأمراء، فاستقامت أموره في هذه المرة، ولم يختلف عليه اثنان كما قيل:" وربما صحت الأجسام بالعلل".
ومن الحوادث في هذه السنة وفاة أمير المؤمنين محمد المتوكل على الله، ابن الخليفة المعتضد بالله أبي بكر بن المستكفي بالله ابن الإمام أحمد الحاكم بأمر الله. وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء ثامن عشرى رجب من سنة ثمان وثمانمائة، فكان مجموع خلافته بالديار المصرية إلى أن مات نحوا من خمس وأربعين سنة - بما فيها من عزل وولاية - وكان كريما جوادا ممدوحا لا يرد سائلا، كما قيل:
كأنه في العطاء بحر ندى … وبذله النقد فيه تيار
ولكن قاسى من الملك الظاهر برقوق شدائد عظيمة، وتركه في القيد وهو مسجون ببرج الحية الذي بقلعة الجبل نحو سبع سنين، وكان أماما عظيما، كفئا للخلافة، كثير البر والصدقات، يحب فعل الخير. فلما مات دفن عند أقاربه بمشهد السيدة نفيسة ﵂.
ولما مات خلف من الأولاد سبعة وهم: العباس وكان أكبرهم، وداود وسليمن وحمزة ويوسف ويعقوب وموسى، وكل منهم ولي الخلافة إلا يعقوب وموسى لم يليا الخلافة.
وقيل جاء للمتوكل نحو مائة ولد من صلبه ما بين ذكور واناث وسقوط، وهذا لم يقع لخليفة قبله سوى عبد الملك بن مروان الأموي، فانه لما مات خلف من الأولاد أربعة وهم: الوليد وسليمن ويزيد وهشام، وكل منهم ولي الخلافة.
ولما توفى محمد المتوكل تولى الخلافة من بعده ابنه العباس، وتلقب بالمستعين بالله.
ومن الحوادث ان ابن نعير أرسل إلى السلطان رأس جكم العوضي الذي تسلطن بحلب وتلقب بالملك العادل، فخرج من حلب إلى قتال قرا ملك أمير التركمان فقتل في المعركة بين بساتين آمد ولا يعلم من قتله، فكانت مدة سلطنته بحلب نحوا من شهرين، فعلق رأسه على باب زويله، وكان له يوم مشهود، وكفى الملك الناصر شره.
وفيها توفى الأمير بيبرس الفارقاني - وهو صاحب الحمام الذي تجاه المدرسة البندقدارية - وكان بيبرس هذا من المعمرين، وكان من أهل الدين والصلاح وله مشاركة في العلم، وكان له شعر جيد، وكان رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب، وكان يزن الشعر بالطباع، وينظم منه ما لا تمجه الأسماع، فمن ذلك قوله:
من لي بظبي غرير … باللحظ يسبى الممالك
إذا تبدى بليل … جلا سناء الحوالك
من حور رضوان أبهى … لكنه نجل مالك