فلما تم أمره في السلطنة خلع على الأمير تمربغا واستقر به دوادارا كبيرا عوضا عن الأمير دولاتباي المؤيدي.
ثم أنه قبض على الأمير زين الدين استادار، وكان بينه وبينه حظ نفسي من أيام والده، فلما قبض عليه لم يرث له وسلمه إلى الأمير فيروز الزمام. ثم خلع على الأمير جاني بك نائب جدة واستقر به استادارا عوضا عن زين الدين، ثم نقل زين الدين من عند فيروز الزمام وسلمه إلى الأمير جاني بك نائب جدة فعاقبه وأحضر إليه المعاصير وعصره في أركابه حتى كسرها، واستخرج منه نحو أربعين ألف دينار، واستمر في العقوبة أياما، وفيه يقول بعض الشعراء:
أخبار زين الدين قد شاعت بها … أعداؤه بين الورى تتعهد
لا غرو ان هم بالفوا في عصره … فالكرم يعصر والجواد يقيد
ثم ان الملك المنصور أخذ في أسباب نفقته على العسكر، ولم يكن في الخزائن شيء من المال.
قيل خلف الملك الظاهر جقمق في الخزائن من المال ثلاثين ألف دينار لا غير، فشكا ذلك إلى القاضي جمال الدين يوسف ناظر الخاص، فقال:"على ذلك". ثم ضرب دنانير ذهب ينقص كل دينار عن الأشرفي قيراطين، وسماها المناصرة، فضرب منها جملة كثيرة، وأراد أن ينفق ذلك على العسكر.
ولما كان يوم الاثنين مستهل ربيع الأول من سنة سبع وخمسين وثمانمائة وثب المماليك الأشرفية والمؤيدية، والتف عليهم جماعة من المماليك السيفية. فلما وثبوا توجهوا إلى بيت الأتابكي اينال العلائي فأركبوه غصبا، وأتوا به إلى البيت الكبير الذي عند حدرة البقر. فلما استقر به أرسل خلف أمير المؤمنين حمزة، فلما حضر أخذ في أسباب خلع الملك المنصور عثمان فكتبوا محضرا وشهد فيه جماعة الخاصكية بما يوجب خلعه، فخلع من السلطنة وبويع الأتابكي اينال بالسلطنة، واستمرت الحرب ثائرة بين الفريقين من يوم الاثنين إلى يوم الأحد سابع ربيع الأول، فانكسر الملك المنصور عثمان في ذلك اليوم.
وكان الملك المنصور أرسل يحضر عربانا من الشرقية وعربانا من البحيرة، فمنعه من ذلك الأمير قانباي الجركسي وما مكنه من ذلك، وقال:"تطمع العرب في الترك". ..
ولا زال اينال يحاصر الملك المنصور وهو بالقلعة، وقطع عنه الماء ومنع عنه الأكل، حتى ضجر وانكسر، فملك اينال باب القلعة وولوا الظاهرية منهزمين كأنهم لم يكونوا.