ثم أن الملك الظاهر خشقدم أنفق على العسكر نفقة كاملة، وفرق الاقطاعات الثقال على المماليك وأرضى جميع الجند بكل ما يمكن، فاستقامت أحواله في السلطنة، وزال عنه الشك.
فلما كان يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان من السنة المذكورة، جاءت الأخبار بأن المقر السيفي جانم نائب الشام قد وصل إلى خانقاه سرياقوس، وقد تقدم أن الأمراء الأشرفية أرسلوا كاتبوه بأن يحضر إلى القاهرة بسرعة حتى يسلطنوه عوضا عن الملك المؤيد أحمد ابن الأشرف اينال. فلما أبطأ عليهم وثبوا على الملك المؤيد وخلعوه من السلطنة، وولوا الأتابكي خشقدم سلطانا، واستقر المقر السيفي جرباش كرت أتابك العسكر بمصر فلما حضر جانم من الشام وجد القاعدة قد انخرمت، والوظائف قد انقسمت، وفاته الشنب، وعز الطلب، فكان كما قيل في المعنى:
وثب الثعلب يوما وثبة … شغفا منه بعنقود العنب
لم ينله، قال: هذا حامض … حصرم ليس لنا فيه أرب
فلما بلغ الظاهر خشقدم حضور جانم بك نائب الشام اضطربت أحواله، وتزايدت أوجاله، فاجتمع بالأمراء وضربوا في ذلك مشورة، فوقع الاتفاق بأن جانم يرجع إلى الشام ولا يدخل إلى مصر، وأن يكون نائب الشام على عادته. فتوجه إليه الصاحب علاء الدين بن الأهناسي وصحبته خلعة إلى الأمير جانم بأن يكون نائبا على عادته، فتوجه إليه في ليلة عيد الفطر، ومد له في الخانقاه يوم العيد مدة عظيمة، ولم يمكن السلطان أحدا من الأمراء المقدمين بأن يتوجه إليه، فتوجه إليه بعض أمراء عشراوات من الأشرفية منهم تمراز الشمسي وغير ذلك.
ثم أن السلطان أرسل إلى الأمير جانم عشرة آلاف دينار، وأنعم عليه ببرك الأمير يونس الدوادار جميعه، وصار يرضيه بكل ما يمكن، فرجع الأمير جانم إلى الشام وهو بخفي حنين، وكان ذلك ترتيبا من الأمير جاني بك نائب جدة فانه كان كثير الحيل والخداع.
فلما رجع الأمير جانم إلى الشام أرسل السلطان إلى نائب قلعة الشام مراسيم في الدس بأن يقبض على جانم نائب الشام، فرمى عليه بالمدافع وهو جالس في دار السعادة، فهرب