فوقع الاتفاق في تلك الليلة على خلع السلطان تمربغا، وأن الأتابكي قايتباي هو السلطان، وأن يقبضوا على الخشقدمية كلهم.
فلما وقع القرار على ذلك باس الأرض تحت الليل للأتابكي قايتباي أعيان الاينالية، وأركبوه وطلعوا به إلى الرميلة، فلما بلغ خير بك ما جرى، اضطربت أحواله، وضاق به الأمر، وأدركه طلوع النهار، فأخرج السلطان تمربغا من تحت الخرجاة، والأمراء الذين سجنوا معه، وأجلس السلطان على مرتبته، وباس له الأرض ثم انسطح بين يديه وقال له:
"وسطني … فاني كنت باغيا عليك". فقال له السلطان:"يا أمير دوادار لا أنت ولا أنا بقي لنا بقاء". فلما طلع النهار ملك الظاهرية الاينالية باب السلسلة، وانكسر الخشقدمية، فطلع الاتابكي قايتباي إلى باب السلسلة، وجلس في المقعد الذي يطل على الرميلة، وحضر الخليفة والقضاة الأربعة، ثم خلعوا الظاهر تمربغا من السلطنة، وولوا الأتابكي قايتباي كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه.
فلما طلع السلطان قايتباي إلى القلعة، قبض على المقر السيفي خير بك، وعلى المقر السيفي الشهابي أحمد بن العيني، وعلى الأمير كسباي الدوادار، وعلى الأمير خشكلدي المعروف بالبيسقي، وعلى الأمير مغلباي، وعلى جماعة كثيرة من الأمراء الخشقدمية، فقيدوا الأمير خير بك وابن العيني وسجنوا في مكان بالقلعة ومعهم المهتار عبد الكريم.
وأما الملك الظاهر تمربغا فأدخلوه إلى البحرة من غير قيد - وهو في غاية العز والعظمة - وأكرمه السلطان قايتباي غاية الاكرام، فانه كان أغات جميع ظاهرية جقمق، فالكل جاءوا من بعده.
ثم أن السلطان رسم للملك الظاهر تمربغا بأن يتوجه إلى ثغر دمياط من غير قيد ولا سجن، ورسم له: بأن يركب إلى صلاة الجمعة ويتنزه في غيطان دمياط، فنزلوا به تحت الليل وتوجهوا به في مركب إلى ثغر دمياط فأقام بها، فكانت مدة سلطنته بمصر ثمانية وخمسين يوما لا غير، فكان كما قيل في المعنى:
لم أستتم عناقه لقدومه … حتى ابتدأت عناقه لوداعه
ولم يعلم بأحد من ملوك الترك أنه خلع من السلطنة في أقل من هذه المدة، ولم تفد معرفة الملك الظاهر تمربغا شيئا، وعارضه الزمان كما قيل في المعنى:
وإذا جفاك الدهر - وهو أبو الورى … طرا - فلا تعتب على أبنائه