في هذه التجريدة بسبب سيف أمير آل فضل فكانت منيته بالرها. وكان الأمير يشبك باغيا على بابندر، فإنه قصد محاربته من غير سبب، ولا موجب لذلك، فكان كما قيل:
من لاعب الثعبان في وكره … يوما فلا يأمن من لسعته
وقد نهى بعض الحكماء عن التوجه إلى بلاد الشرق من غير حاجة فقال:
إذا شئت أن تلقى دليلا إلى الهدى … لتقفو آثار الهداية من كافى
فخل بلاد الشرق عنك فإنها … بلاد بلا دال وشرق بلا قاف
ولكن قدر في الأزل بأن قبض الأمير يشبك يكون بالرها، فسبب له الأسباب لذلك. وقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال:"إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة."
ومن النكت اللطيفة، ما روي في بعض الأخبار: أن ملك الموت زار سليمان بن داود ﵉، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه، ويطيل النظر. فقال الرجل لسليمان ﵇:"ومن هذا الرجل الذي يطيل إلي النظر؟ "، فقال سليمان ﵇:"هذا ملك الموت ﵇". واضطرب الرجل وقال:"يا نبي الله أقسمت عليك بالله تعالى ألا ما أمرت الريح تحملني من هنا وتلقيني خلف جبل قاف". فأمر سليمان ﵇ بأن تحمل ذلك الرجل، وتلقيه خلف جبل قاف. فلما حملته الريح إلى هناك، قال سليمان بعد ذلك لملك الموت:"لماذا كنت تطيل النظر في الرجل الذي كان جالسا عندي". فقال ملك الموت ﵇:"كان نظري إلى هذا الرجل تعجبا منه، لأني أمرت بقبض روحه خلف جبل قاف، وقد وجدته بحضرتك، فصرت متعجبا من ذلك". فلما مضى الرجل خلف جبل قاف، قبض ملك الموت ﵇ روحه هناك كما أمر. وهذا مصداق للحديث الشريف.
فكان قبض الأمير يشبك بالرها. فلما ورد هذا الخبر إلى السلطان، اضطربت أحواله، وماجت القاهرة عن آخرها، وكان يوما مهولا. ثم أشيع بين الناس أن الأمير يشبك في الحياة، وهو في الأسر عند بابندر. وقيل أنه فر بنفسه وهو مختف عند بعض التركمان.
واختلفت الأقوال في أمره، وصارت دكة النقباء على بابه بعد قتله مدة طويلة، ونظامه باق