واستخفافهم بالسلطان. واستمرت الفتن من يومئذ تتزايد، حتى كان منهم ما سنذكره في موضعه.
وكان سبب كائنة برسباي قرا أن شخصا من المماليك الجلبان دخل إلى سوق الشرب، ليشتري ثويا بعلبكيا من بعض التجار، فتعترس المملوك على التاجر، وضربه ضربا مبرحا، وأخذ منه الثوب البعلبكي غصبا، فشكا التاجر من باب برسباي قرا، وكان يومئذ رأس نوبة النوب، فطلب ذلك المملوك. فلما حضر، قامت عليه البينة بما فعله في سوق الشرب، فأدبه وضربه بين يديه، فلما بلغ خشداشينه ذلك، ثاروا على برسباي قرا، وفعلوا به ما فعلوا، وراموا أن يحرقوا سوق الشرب، حتى أخلوا منه التجار قاطبة، وكادت أن تكون فتنة كبيرة تعم البلد. ثم أن الأتابكي أزبك جرى بين المماليك الجلبان وبين برسباي قرا بالصلح، وسكن الحال قليلا.
*****
وفي جمادي الآخرة جاءت الأخبار بأن على دولات بن دلغادر، قد أتى إلى ملطية في جمع كثير من العساكر، وقد حاصر البلد أشد المحاصرة، فانزعج السلطان لهذا الخبر.
وفيه توفي قاني باي الفلاح الأشرفي أحد العشراوات، وأصله من مماليك الأشرف برسباي، وكان بارعا في فنون الرمح.
وتوفي مغلباي الفقيه أحد العشراوات، وكان أصله من مماليك العزيز، وكان له اشتغال بالعلم.
وفيه عرض السلطان الجند، وعين تجريدة إلى حلب بسبب علي دولات بن دلغادر، وعين بها من العلماء أزدمر أمير مجلس، الذي كان نائب حلب، والأمير تغري بردى ططر حاجب الحجاب الثاني، ومن الأمراء الطبلخانات قاني بك جشحة رأس نوبة ثاني، ومن الأمراء العشراوات تاني بك الإينالي الحاجب الثاني، وسودون الصغير العلائي، وبرد بك المحمدي الخازندار الثاني، ومن الجند نحو من خمسمائة مملوك، وأنفق عليهم فبلغت النفقة على الأمراء والجند زيادة عن سبعين ألف دينار.
وفيه حصر شمس الدين الحلبي تركة يحيى بن حجى، فرأى بين كتبه كتاب الفصوص لابن عربي، فقال:"هذا الكتاب ينبغي أن يحرق، وأن ابن عربي كان كافرا أشد من كفر اليهود والنصارى وعبدة الأوثان". فقال له بعض الحاضرين:"كيف تحرق كتاب الفصوص، وفيه آيات من كتاب الله تعالى؟ ". فقال:"ولو كان". فمسكوا عليه ذلك،