إلى باب السلسلة وعلق الصنجق السلطاني، ونادى للعسكر أن تطلع إلى القلعة، فلم يطلع إليه أحد من الأمراء ولا من العسكر، ولم يكن عنده أحد من الأمراء سوى الأمير قان بردي الدوادار الثاني أحد المقدمين - وكان من عصبته ومن خواصه، وقد أشيع بين الناس أنه سيوليه الأتابكية عوضا عن قصروه - وكان عنده قرقماش المقري المحتسب، وطراباي رأس نوبة كبير، وأنس باي وآخرون من الأمراء وبعض مماليك سلطانية
فجلس في المقعد المطل على الرميلة فلم يطلع إليه أحد من العسكر.
وفي ذلك اليوم وقع قتال هين وجرح الأمير أقبردي في وجهه. فلما كان وقت الغروب من سلخ شهر رمضان نزل الأمير قاني باي الرماح من باب السلسلة، ومعه ماماي جوشن، ونزل طراباي وأنس باي. فلما رأى ذلك من كان عند العادل من المماليك السلطانية، تسحبوا جميعا، وتمت الكسرة على العادل. فلما دخل الليل قام ونزل من القلعة، واختفى، وكانت ليلة عيد الفطر. فاضطربت الأحوال، ولا سيما في تلك الليلة، وقد قلت في المعنى:
في ليلة العيد أتى … سلطاننا كل الضرر
فلم تكن كسرته … إلا كلمح بالبصر
وكان سبب هذه الفتنة، أنه قد أشيع بين الناس في ليلة العيد، أن السلطان قد عول على مسك جماعة من الأمراء يوم العيد وهم في الجامع. فلما بلغهم ذلك وثبوا عليه تلك الليلة.
فلما نزل من القلعة واختفى، وقع النهب في الأسطبل السلطاني والزردخاناه، فنهب منها أشياء كثيرة بنحو من ستين ألف دينار على ما قيل. فلما كان يوم العيد لم يصل أحد من الأمراء صلاة العيد، واشتغل كل أحد بما هو فيه، ووقع الخلف بين الأمراء فيمن يلي السلطنة، وكان من الأمر ما سنذكره. فكانت مدة السلطان الملك العادل طومان باي بالديار المصرية ثلاثة أشهر وعشرة أيام، خارجا عن سلطنته بدمشق.
وكان ملكا جليلا، مهيبا مبجلا، تولى الملك وقد جاوز الأربعين سنة. وكانت صفته:
طويل القامة، أبيض اللون، مشربا بحمرة، مدور الوجه، مستدير اللحية، أسود الشعر، الغالب عليه الشقرة. وكان ممتليء الجسد جميل الهيئة، وافر العقل سديد الرأي … غير أنه كان سفاكا للدماء عسوفا ظالما: قتل الأتابكي قصروه ظلما، وأرسل بخنق الأشرف جان بلاط وهو بالبرج، وعول على خنق الظاهر قانصوه أيضا وهو بالبرج ولكن كان في أجله تأخير، ونفي جماعة كثيرة من الأمراء والخاصكية والمماليك في هذه المدة اليسيرة. ولو دام في السلطنة لوقع منه أمور شتى، ولكان يقتل غالب الأمراء وثلث العسكر.