ومن سوء حظ المرء في الدهر أنه … يلام على أفعاله وهو محسن
ثم أن السلطان رسم باستبدال قيسارية الأمير على التي تجاه جامعه، وكانت جارية في أوقاف المدرسة الناصرية التي بين القصرين، فلما استبدلها من الجكندار شخص يقال له "بره" هدمها وبنى مكانها القبة والمدفن والصهريج والسبيل وغير ذلك من الأماكن التي استجدها، وقد قلت في معنى ذلك:
بنى الأشرف الغوري للناس جامعا … فضاع ثواب الله فيه لطالبه
كمثل حمام جمعت في شباكها … متى ألق عنها طار كل لصاحبه
وفيه حضر الناصري محمد بن قانصوه البرجي نائب الشام، وكان السلطان وقع بينه وبين أبيه، فحضر وعلى يده تقدمة حافلة، وشرع يستعطف خاطر السلطان، وكان السلطان منع المكاتبة إليه من المراسيم وغيرها، فلما حضر ابن نائب الشام، خلع عليه وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش، ونزل بدار عمه خاير بك حاجب الحجاب.
وفي يوم الجمعة ثامن عشرينه، حضر مبشر الحجاج وأخبر أن الأتابكي قيت طرد عربان بني إبراهيم عن مكة، وهرب الجازاني من وجهه ولم يقابله، وأنه مهد مكة وقبض على بركات وأخيه قايتباي، وجماعة من إخوته، ووضعهم في الحديد وهو واصل بهم.
فلما تحقق السلطان ذلك، أمر بدق الكوسات بالقلعة، وعلى أبواب الأمراء، ونادى في القاهرة بالزينة سبعة أيام، فزينت زينة حافلة حتى زينوا داخل الأسواق، وأقامت مزينة سبعة أيام، وخرج الناس في القصف والفرجة عن الحد.
وفيه توفي الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الرحمن الديري الحنفي شيخ الجامع المؤيدي، وكان عالما فاضلا دينا خيرا من كبار علماء الحنفية، ومات وهو في عشر السبعين من العمر، وكان الأشرف قايتباي أخرج مشيخة الجامع المؤيدي عن أولاد الديري، وقرر بها الشيخ سيف الدين الحنفي، فلما مات قرر بها شمس الدين بن الدهانة.
وكان المؤيد شيخ قرر بها شمس الدين الديري، وجعل مشيخة هذا الجامع بيد أولاد الديري، واستمروا على ذلك إلى دولة الأشرف قايتباي. فلما توفي قاضي القضاة برهان الدين بن الديري، أخرجت مشيخة الجامع عن أولاد الديري إلى جماعة كثيرة من الحنفية، واستمروا على ذلك إلى أن تسلطن الغوري فأعاد المشيخة إلى الشيخ بدر الدين بن الديري كما كان أولا، فعد ذلك من محاسن الغوري، واستمر بها الشيخ بدر الدين إلى أن مات،