{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} أي لم تقتلوا من قتل من الأعداء بأيديكم ورماحكم {وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} بأيدي ملائكته {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وذلك حين رمى سيد الكونين صلوات الله تعالى وسلامه عليه جيوش المشركين بقبضة من تراب، وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه منها، ولم يستطع الإبصار؛ وتسبب من ذلك هزيمتهم ونصر المؤمنين
هذا وقد استدل كثير من الفضلاء بهذه الآية على أن سائر أفعال الخلق المكتسبة؛ هي من الله وحده؛ فقد نفي عنهم الفعل والإنجاز؛ ألا ترى إلى قوله:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} فنفى عنهم القتل، وعن الرسول عليه الصلاة والسلام الرمي؛ وقد حصل كلاهما؛ فكذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة: من الله الإنشاء والإنجاز بالتسبيب، ومن الخلق الاكتساب بالقوى. وقد فاتهم أنه مما لا خلاف فيه أن سائر أعمال الخير مصدرها من الله تعالى، أما أعمال الشر فهي من الإنسان وحده؛ قال تعالى:{مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} وقد نسب الله تعالى إلى نفسه قتل المشركين ورميهم بالحصباء؛ وهما خير وحسنة وإذا قلنا بغير ذلك: كانت أعمال الكفار أيضاً: من الله إنشاؤها وإنجازها؛ وهذا ما لم يقل به مؤمن {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}{وَلِيُبْلِيَ} ينعم ويعطي {الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ} من فضله {بَلاءً حَسَناً} عطاءً كثيراً من الغنائم {ذلِكُمْ} النصر والغنيمة حق {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ} مضعف