{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ} السيىء بالناس {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ليس المراد بالنهي عن الظن: الظن العابر؛ الموجب للحيطة والحذر. والذي عناه الشاعر بقوله:
لا يكن ظنك إلا سيئاً
إن سوء الظن من أقوى الفطن
وإنما نهى تعالى عن الظن الذي يمليه الشيطان وينميه حتى يصيره حقيقة واقعة: كمن يظن أن فلاناً يكرهه ويبغي الكيد له؛ فيسرع هو إلى بغضه والكيد له. وقد يكون بريئاً من البغض، بعيداً عن الكيد. وكمن يظن فيمن أتى لزيارته أنه إنما أتى لقتله؛ فيعمل بهذا الظن كأنه حقيقة واقعة. وربما كان هذا الزائر قد جاء للاعتذار عن هفوة ارتكبها، أو للاستغفار من ذنب أتاه. لذلك نهانا الشارع الحكيم عن العمل بالظن؛ لما يترتب عليه من نتائج سيئة، وعواقب وخيمة. وكذلك نهينا في الأحكام عن الأخذ بالظن؛ فإذا ما قضى قاض، أو حكم حاكم بما ينحط إلى مرتبة الظن، ولا يرتقي إلى مرتبة اليقين: فهو ظالم آثم فليحذر الذين ولاهم الله تعالى أمور العباد من الوقوع في هذه المخاطر، والانزلاق في هذه المهالك
قال:«إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» ولم يكن النهي عن نفس الظن المعلوم؛ لأنه خواطر لا يملك الإنسان منعها، ولا يستطيع دفعها. والأمر والنهي لا يوردان إلا بتكليف المستطاع من الأمور {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} أي لا تتتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكره.
وفي الحديث:«إذا ذكرت أخاك بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه
⦗٦٣٦⦘ فقد بهته» {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} شبه تعالى الغيبة بأكل لحم الأخ - حال كونه ميتاً - وإذا كان الإنسان يكره أن يأكل لحم الإنسان؛ فضلاً عن كونه أخاً، وكونه ميتاً: وجب عليه أن يكره الغيبة بمثل هذه الكراهة.
ولا يفوتني - بمناسبة هذه الآية الكريمة - أن أقرر أن الغيبة الآن منتشرة بحيث لا يخلو منها مجلس، وقد أصبح الناس لا يشعرون بقبحها، ولا يحسون بإثمها، وأنها كبيرة - بل ومن أكبر الكبائر - فليتحاش ذلك من يرجو رحمة ربه، وليستغفر لذنبه