للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمِنْ آيَاتِهِ} تعالى أيضاً {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وما فيهما، ومن فيهما {وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ} لغاتكم {وَأَلْوَانِكُمْ} فهذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أحمر، وهذا أصفر؛ بغير تفريق بين كل منهم في القدر والفضل؛ اللهم إلا بالعلم والتقوى: فالعالم الأسود المتقي ربه: خير من الجاهل الأبيض المفرط في حقوق مولاه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ومن عجب أن كثيراً من الأمم الغربية - التي تتزعم المدنية الزائفة - اتخذت التفريق العنصري ديدناً وشعاراً: فهم يقتلون الملونين بأوهى الأسباب؛ بل بلا سبب أصلاً؛ ولا يثأرون لهم ممن يعتدي عليهم من أبناء جلدتهم. وقد فاتهم

⦗٤٩٤⦘ أن جميع الكائنات البشرية إخوة، وأن وراء هذه الألوان المتعددة روحاً واحدة لا لون لها؛ وأن إلهاً واحداً هو الذي خلقهم جميعاً، وأودع في كل منهم سره ونوره؛ وأرخى على روح كل واحد منهم ستاراً كثيفاً: هو الجسد؛ وهذا الستار يكون في صقع أبيض، وفي آخر أسود؛ وفي صقع أحمر، وفي آخر أصفر.

ومن آياته تعالى البينات: اختلاف اللغات؛ وقد بلغ عددها في بعض الأصقاع عشرات المئات. وقد قام كثير من الباحثين بحصر اللغات العالمية وإحصائها؛ فزاد ما أحصوه على الثلاثة آلاف، ولم يبلغوا بعد غايتها ونهايتها.

وتستوي اللغات جميعها في وحدة المقصد: وهو الإبانة. ولا فضل لإحداها على الأخرى إلا بالسهولة، ويسر التناول. وقد شرف الله تعالى اللغة العربية بنزول القرآن بها؛ وذلك بسبب حاجة الأمة العربية للهداية؛ ولا يستطيع إنسان - بالغاً ما بلغ من رجحان العقل أو نقصانه - أن يزعم أن اللغة العربية - التي نزل بها القرآن - هي اللغة التي يتخاطب بها ملائكة الرحمن في سمواته، وأنها لغة الله تعالى التي لا يصدر أوامره إلا بها. ألم ينزل بها كتابه؛ وهو كلامه العزيز، وقرآنه الكريم؟

والواقع أن اللغات جميعها - عربيها وعجميها - مخلوقةلله تعالى، وهي إحدى آياته البينات {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}.

وليس من فضل للغة من اللغات على صاحبها: سوى الإبانة التي لم تخلق اللغة إلا لتكون أداة لها.

وكما أوحى ربك إلى الإنسان؛ أوحى أيضاً إلى الحيوان {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ونتيجة الوحي في الحالتين: هي وصول العلم بالموحي به إلى الموحى إليه - مع اختلاف الوسائل - وكذلك كان وحيه تعالى إلى كثير من خلقه {وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى} فلم يقل إنسان: أنه تعالى أوحى إليها عن طريق جبريل عليه السلام؛ وإنما كان عن طريق الكشف عما يجب أن يتبع، أو عما فيه الصالح العام للمجتمع الإنساني.

ومن ذا الذي يستطيع أن يجحد أن ما نراه من صنوف المخترعات، وشتى الفنون؛ إنما كان عن طريق الوحي، والتوجيه، والتعليم الإلهي {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

وإلا فأين جهد العقل الإنساني من الكهرباء؛ وهو لم يعلم - حتى الآن - كنهها، ولم يكشف سرها؟ وأين جهد العقل البشري من الرادار، والتليفزيون، والذرة، وما شاكل ذلك؟

إن الإنسان يتوهم أن جميع ذلك كان وليد الصدفة المحضة؛ ولكن هذه الصدفة التي يزعمونها؛

⦗٤٩٥⦘ إن هي إلا وحي خالص من لدن حكيم عليم (انظر آية ٥ من سورة العلق).

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد