{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} تمنى: قرأ. أي إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته: ليشوش أذهان السامعين، ويبعث في نفوسهم الشكوك والريب. قيل: كان يقرأ سورة «والنجم» فلما بلغ قوله تعالى: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} تكلم الشيطان بقوله: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى. فوقع عند بعضهم أن ذلك من قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد كان الشيطان في ذلك الحين يتكلم ويسمع كلامه بالآذان، وقد قال يوم أحد:«لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم».
والذي أراه في معنى هذه الآية: أن يكون التمني على ظاهره. أي {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى} لأمته الإيمان {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي} سبيل {أُمْنِيَّتِهِ} العثرات، وأقام بينه وبين مقصده العقبات {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} يمحوه ويذهبه من قلوب أوليائه {ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} بأن يجعلها مقبولة لدى من سبقت لهم الحسنى، وحازوا المقام الأسنى أما ما ذهب إليه أكثر المفسرين فباطل مردود؛ لا يستسيغه عقل مؤمن، ولا يقبله قلب سليم وهو زعمهم بأن الرسول الكريم - الذي لا ينطق عن الهوى - نطق بلسانه؛ حين بلغ {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} قائلاً: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى. هذه القالة التي لا ينطق بها مؤمن فضلاً عن سيد المؤمنين؛ الذي هدانا لتوحيد رب العالمين وقد استدلوا على قولهم الباطل بأحاديث واضحة البطلان، بادية الخسران وقد نبه إلى ذلك بعض فضلاء الأمة: قال ابن إسحق في حديث الغرانيق: هو من وضع الزنادقة. وقال أبو بكربن العربي: إن جميع ما ورد في هذه القصة لا أصل له. وقال القاضي عياض: إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه أحد بسند متصل سليم؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون؛ المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم