للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} أي بتقدير: محكم، مستوف فيه مقتضى الحكمة والمنفعة. وقيل: المعنى: مقدر. وذهب كثيرون إلى أن هذه الآية دليل على أن السيئة مقدرة: فالقتل بقدر، والزنا بقدر، وشرب الخمر بقدر، والسرقة بقدر. وأن جميع ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، قبل خلق النفوس. وهو كلام يؤدي إلى نسبة الظلم إلى الله تعالى؛ وهو أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين أما كتابة الأعمال، وما كان وما يكون في اللوح المحفوظ: فأمر مسلم به، وأما التقدير الذي يشبه الإلزام فكلا وألف مرة كلا ولكن الله تعالى جلت قدرته؛ لسعة علمه ومعرفته: علم بعمل خلقه؛ فكتبه قبل أن يعملوه، ولم يلزمهم به. وهو جل شأنه، وتعالى سلطانه لا يهدي الفاسقين، ولا يهدي الظالمين، ولا يهدي الكافرين، ولا يهدي من هو مسرف كذاب، ولا من هو كاذب مرتاب وإنما يهدي تعالى من أناب: يهديه إلى الرشد، وإلى الحق، وإلى سواء السبيل

وإلا إذا قلنا بما يقولون؛ فعلام شرعت الشرائع. وقننت القوانين، وأرسلت الرسل، ونزلت الكتب؟ ولما نقتص من المذنب؛ ولا ذنب له؟ ومن المجرم؛ ولا جرم عليه؟

ولماذا يرجم الزاني؛ وقد أكره على الزنا؟ ويقطع السارق؛ وقد ألزم بالسرقة؟ ويقتل القاتل؛ وقد فرض عليه القتل؟

ولماذا تقوم المحاكم لفض المظالم؟ وأي مظالم يدفعونها؛ ودفعها هو عين الظلم؟ إذ كيف يقتل

⦗٦٥٦⦘ القاتل؛ وقد قتل بقدر؟ أو كيف يرجم الزاني؛ وقد زنا بقدر؟ أو كيف يقطع السارق؛ وقد سرق بقدر؟ أو كيف يحد شارب الخمر؛ وقد شربها بقدر؟

ألم يقدر الله تعالى - كما يقولون - ذلك القتل، وذلك الزنا، وذلك السكر، وتلكم السرقة؟

وأين من يزعم أنه يستطيع أن يخرج عما قدره الله تعالى ورسمه لعباده؟

وأخيراً يحق لنا أن نسائل هؤلاء القائلين بهذا الرأي الفاسد: لم خلق الله تعالى جنته وناره؛ وقد أطاعه من أطاعه بقدر، وعصاه من عصاه بقدر؟ أكره هذا على الطاعة، وأكره ذاك على المعصية