{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا} أي يقبضها عند انتهاء آجالها {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها. ومنه قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ} عن سعيدبن جبير رضي الله تعالى عنه: إن الله تعالى يمسك أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا {فَيُمْسِكُ} تعالى روح النفس {الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} فلا تقوم من منامها {وَيُرْسِلُ} النفس {الأُخْرَى} التي لم يقض عليها بالموت في منامها {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} هو انتهاء عمرها؛ المكتوب لها في عالم الأزل. والنوم: هو الموت الأصغر؛ كما أن الموت: هو النوم الأكبر. قال:«كما تنامون فكذلك تموتون، وكما توقظون فكذلك تبعثون».
ومن عجب أن ترى الإنسان دائب البحث، حثيث السعي؛ وراء ما يجلب له النوم، ويدفع عنه الأرق؛ في حين أن فرائصه لترتعد جزعاً وفرقاً حين يذكر أمامه الموت والموت لا يعدو أن يكون نوماً هادئاً مريحاً؛ يمتاز بكثير عن النوم الذي يسعى إليه، وينفق الأموال في اجتلابه؛ وليس ثمة مدعاة للجزع والخوف؛ ما دام الإنسان ممتلئاً صدره إيماناً بالله، ويقيناً بوجوده، واطمئناناً لجزائه ولذا تحدى الله تعالى اليهود - حينما زعموا أنهم أولياؤه وأحباؤه - بقوله:{فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وأجاب عنهم بما في صدورهم: {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ} فاحرص - يا من هديت إلى الإيمان والعرفان - على طاعة الله تعالى، واجتلاب مرضاته؛ لتنام خير منام، وتبعث خير مبعث، وتلقى خير جزاء، وأوفر نعيم (انظر آية ٦٠ من سورة الأنعام)