{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} التي يحيا بها البدن: ما صفتها؟ وما هيأتها؟ وما طبيعتها؟ وذهب قوم من المفسرين إلى أن الروح المسئول عنه: هو جبريل، وقيل: ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف لسان في كل لسان سبعون ألف لغة؛ يسبح الله تعالى بكل هاتيك اللغات. وقيل: هو عيسى عليه السلام. وقيل: القرآن. والرأي الأول: أولى بالصواب، وأجدر بالاعتبار {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} توهب بقدرته، وتسلب بأمره؛ ولا يعلم حقيقتها إلا هو، ولا سيطرة لأحد عليها - وجوداً وعدماً - وهي باقية بعد فناء
⦗٣٤٨⦘ الأجساد، حتى يوم المعاد؛ فيعيد الله تعالى لكل جسد روحه؛ ليحاسبها على ما اكتسبت في دنياها: فيعذب الكافر العاصي، ويثيب المؤمن الطائع وقيل: إن اليهود أوعزوا لقريش أن تسأل النبي عن ثلاثة أشياء: عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح؛ وقالوا لهم: إن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة: فهو نبي. فلما سألوه أخبرهم عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وقال عن الروح
{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وقوله تعالى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} دليل على عجز الإنسان عجزاً تاماً عن معرفة حقيقتها وكنهها؛ فليس لإنسان أن يزعم أن الروح - ولو كانت روح حيوان - هي تحت أمره، وأنه يستطيع - بإذاعة شيء من الموسيقى - أن يحضر من الأرواح ما شاء وأن يستخدمها فيما شاء، ويسألها عما يشاء وقد دأب ناس - عافاهم الله - على اللعب بعقول البسطاء وألبابهم؛ بإشاعة هذه الخرافات، وبث هذه الترهات والخزعبلات؛ وقد حضرت كثيراً من مجالسهم؛ فما ازددت إلا تكذيباً لهم، وتسفيهاً لأعمالهم وأمر هؤلاء لا يعدو أن يكون من عبث الشيطان بهم؛ إذ أنه - لعنه الله تعالى - يستطيع أن يتشكل بمن شاء من مخلوقاته تعالى؛ عدا أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام؛ فيظهر الشيطان أو أحد أعوانه على صورة الإنسان المراد تحضير روحه ويخاطبهم بما يحلو لهم أن يسمعوه. أما الروح - ولو أنها موجودة، وباقية أبد الآبدين - فإنه لا سلطان لأحد عليها من المخلوقين، ولا تدين إلا لرب العالمين