{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} أي توطنوا المدينة {وَالإِيمَانَ} أي تمسكوا به وألفوه كما يألف الإنسان داره ووطنه؛ وهم الأنصار رضي الله تعالى عنهم {مِن قَبْلِهِمْ} يعني من قبل المهاجرين {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} وقد بلغ بهم الحب أن تآخوا معهم، وقاسموهم أموالهم. وقد بلغ من شدة حبهم، ومزيد تفانيهم: أن كان الأنصاري ينزل لأخيه المهاجر عن إحدى زوجتيه - أيتهما شاء - ويزوجها له {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} كمداً، أو حقداً على المهاجرين {مِّمَّآ أُوتُواْ} أي بسبب ما أوتوه من الفيء والغنائم. وقد كان يعطي المهاجرين ويمنع الأنصار؛ وهم أحب إليه منهم الخصاصة: الفقر والحاجة؛ وقد نزلت هذه الآية في الأنصار لأنهم آثروا المهاجرين بكل ما في أيديهم؛ رغم افتقارهم وحاجتهم إليه. وقيل: ذهب أحد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم - بعد انتهاء إحدى المواقع - يبحث عن أخيه القتيل؛ وفي يده كوز فيه ماء ليسقيه إن كان به رمق؛ فوجده يحتضر، فناوله الكوز، وبعد أن رفعه إلى فيه سمع بجواره أنين جريح آخر؛ فأشار إلى أخيه أن يسقيه قبله؛ فذهب إليه فوجده قد أسلم الروح؛ فعاد إلى أخيه فوجده قد لفظ النفس الأخير: فنزلت هذه الآية. وسأل شاب من أهل بلخ أبا زيد: ما الزهد عندكم؟ قال: إذا وجدنا شكرنا، وإذا فقدنا صبرنا. فقال البلخي: هكذا عندنا كلاب بلخ؛ بل نحن إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} الشح: اللؤم، وأن تكون النفس كزة، حريصة على المنع. وأما البخل: فهو المنع نفسه