{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} قدم تعالى ذكر الزانية على الزاني: لأنها منشأ الجناية، ومبدأ الغواية فلو لم تطمع الزاني بلين كلامها، وتفتح له المجال بإشراق ابتسامها؛ وتخرجه عن طوره بإظهار محاسنها، وإبداء مفاتنها؛ وتمكنه - مع كل ذلك - بالاختلاء بها من غير محرم؛ لا ثالث لهما سوى الشيطان لولا ذلك لما اعتدى أحد على حرمتها، وأهدر كرامتها، وسلبها عزها وفخرها؛ وأخرجها من عداد العفائف الحرائر، إلى مصاف الزانيات الفواجر وجلد المائة: حكم غير المحصن «الأعزب» أما المحصن «المتزوج» فحده الرجم بالحجارة حتى الموت ومنهم من قال: يجلد المحصن والمحصنة مائة جلدة؛ ثم يرجم؛ على خلاف في ذلك. والاتفاق والإجماع على جلد غير المحصن، ورجم المحصن فحسب؛ وهل بعد الموت والتنكيل عبرة لمعتبر؟ (انظر آية ١٠٦ من سورة البقرة).
ويا لها من عدالة ظاهرة، وحكمة باهرة: ينتهك المسلم حرمة أخيه المسلم؛ فلا يجد قانوناً يردعه، ولا تشريعاً يمنعه؛ وذلك لأن القوانين الوضعية - في شتى بلدان العالم - قد أجمعت على ترك الزاني بلا رادع، ولا وازع؛ حتى تفشت بسبب ذلك الأمراض الخبيثة، وفتكت بالأجسام، وأطالت الأسقام؛ وما ذاك إلا لعدم تمسكنا بديننا الحنيف، وانصرافنا عن قانوننا السماوي؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (انظر آية ٣٢ من سورة الإسراء){وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} أي لا تأخذكم بهما شفقة حين ترون تألمهما من الجلد؛ فتجلدوهما جلداً هيناً ليناً - فما هكذا أرادالله؛ في تأديب عباده العصاة - بل الواجب شرعاً أن يجلدا بمنتهى الحزم والغلظة؛ ليكونا عبرة لغيرهما، ونكالاً لأمثالهما وكيف تأخذ الإنسان المسلم رأفة بمن لم تأخذه رأفة بأخيه المسلم؛ فانتهك حرمته، واستباح عرضه؟ بل انتهك حرمات الله تعالى، وطرح أوامره، ولم يعبأ بما أوعد به من عقاب وكيف تأخذ الإنسان المسلم
⦗٤٢٣⦘ رأفة {فِي دِينِ اللَّهِ} وقد أمره بالجلد؛ وهو تعالى أحكم الحكماء، وأرحم الرحماء؛ ولأن الرحمة بالجاني: تحمل معنى عدم الرحمة بالمجنى عليه؛ سواء كان زوجاً، أو أباً، أو أخاً
{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ} جماعة {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} زيادة في فضيحتهما، والاعتبار بهما هذا ويجب أن يتقى في الجلد الوجه والمقاتل؛ والأصوب أن يكون الجلد على الظهر؛ بلا حائل من الملبس يحول دون العذاب المفروض