{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ} بالسعة والرزق والعافية {أَعْرَضَ} عن العبادة {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا} تكبر على الناس، وتباعد عنهم {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً} أي وإذا أصابته مصيبة، أو حلت به بلية: قنط من النجاة، ويئس من روح الله
يعارض الإنسان ربه في حكمته، ويعترض على قدرته: فيكله إلى نفسه؛ فينتهي به ذلك إلى العجز، وينتهي به العجز إلى السخط، وينتهي به السخط إلى الكفر؛ فمتى كان الإنسان عاجزاً، ساخطاً، موكولاً إلى نفسه، معتمداً على قدرته؛ مستنداً إلى قوته: كان كالأسد الجائع في المهمة القفر؛ إذا توهم أن قوته وبطشه يستطيعان أن يخلقا الفريسة له؛ فيظل هائجاً هادراً مزمجراً؛ يطيح بكل ما حوله؛ فيجلب ذلك إلى نفس الإنسان اليأس، والانزعاج، والكآبة، وغير ذلك من المهلكات التي تبعث في قلبه الشك بربه، وتدفع إلى نفسه القنوط، وتجيل بخاطره حماقات العقل، ونزغات الشيطان وقد ينتهي به ذلك إلى الانتحار. ولو أنه آمن ب الله مكان إيمانه بنفسه لسلطه الله تعالى عليها، ولم يسلطها عليه، ولأرضاه بما عنده وأقنعه بما لديه؛ ولأبعد عنه هواجسه، ومتاعبه، ولأبدل خوفه أمناً قال تعالى:{وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} ولكن الإنسان يؤس كفور؛ يسوق بيأسه لنفسه البلايا، ويحط بكفره على قلبه الرزايا وإن شئت فاقرأ قول الحكيم العليم {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}