{فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} الخصب والغنى {قَالُواْ لَنَا هَذِهِ} أي نستحقها بعملنا وعلمنا؛ ولم يشكروا الله تعالى عليها {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} قحط وبلاء {يَطَّيَّرُواْ} يتشاءموا {بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ}
زاعمين أنهم سبب الشؤم الواقع بهم {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ} أي إنما سبب شؤمهم عند الله؛ وهو عملهم الذي يعملونه، والذي استوجبوا عليه ما أسموه طيرة وشؤماً هذا والتطير والتشاؤم من العادات التي ذمها القرآن الكريم، ونهى عنها الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه:«لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر»«إذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا» وقال أيضاً: «من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك» لقد تشاءم الكافرون من أنبيائهم، في حين أن الشؤم هم سببه ومصدره؛ فقد تشاءم قوم موسى بموسى، وتشاءم قوم صالح بصالح:{قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} وفي شتى العصور تشاءم الكافرون بالمرسلين وبالمؤمنين {قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} هذا وقد جرى بعض المسلمين على نهج هؤلاء الكافرين؛ فتشاءموا من الأوقات، ومن الأيام، ومن الأشخاص؛ وهي عادة مرذولة يأباها الإسلام ويحض على نبذها ومنعها؛ ولا يقبلها دين سماوي، ولا عقل راجح؛ ومن عجب أنهم يستدلون ببعض آيات
⦗١٩٧⦘ الكتاب الكريم على ما يزعمونه؛ ويوردون قوله تعالى:{فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ}{فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ}{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} ولا ندري أي من يوم من هذه الأيام الثمانية نختصه بالنحس دون الآخر - وقد شملت الآية الكريمة كل أيام الأسبوع ولياليه - فبان لنا من ذلك: أن النحس متعلق بذات الأشخاص الواقع عليهم النحس؛ وذلك بسبب شؤم معاصيهم، وبعدهم عن مرضات ربهم ولم يخلق الله تعالى الأيام نحساً كلها، أو سعادة كلها؛ فبعضها نحس على أناس، سعد على آخرين؛ ورب إنسان تصور نحسه في يوم من الأيام، فصار هذا اليوم مصدر سعادة له لا يترقبها ولا يتوهمها ونخرج من هذا البحث بنتيجة واحدة لا ثاني لها: هي أن {مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} فسييسره ربه لليسرى؛ وأيامه كلها هناء، ولياليه كلها سعادة؛ غير ما أعده الله تعالى له من خير عميم، ونعيم مقيم أما {مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} فسييسره ربه للعسرى؛ وأيامه نحسات، ولياليه مدلهمات؛ غير ما أعده له ربه من جحيم، وعذاب أليم