{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ} كل {مَن فِي السَّمَاوَاتِ} من أملاك {وَمَن فِي الأَرْضِ} من إنس وجن
⦗٤٠٣⦘ {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ} كل هؤلاء يسجدلله تعالى. أي يطيعه، ويخضع لأوامره. أو هو سجود على الحقيقة: يتمثل في ظل هذه الأشياء {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}{وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} أي ويسجد له كثير من الناس؛ وهم المؤمنون {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ}{حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} أي وجب عليه؛ لكفره، وفسوقه عن أمر ربه {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ} يشقه بالكفر {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} أي ليس له من مسعد يرتفع به إلى مصاف المؤمنين، ويدفع عنه ما كتبه عليه أحكم الحاكمين
وإنما يهن الله تعالى من استوجب الشقاء والمهانة، وارتضى لنفسه خسة الكفر، وذلة الجهل؛ وأبى رفعة الإيمان، وعزة العلم
هذا ولا يعقل أصلاً أن المولى الكريم يهين من لا ذنب له، ولا إثم عليه؛ بعد أن رفعه وكرمه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وقد اعتاد أكثر المفسرين - سامحهم الله تعالى - على أن يذهبوا في مثل هذه المعاني مذاهب شتى؛ يأباها العدل السماوي، وتنبو عنها الحكمة الإلهية؛ ويتسترون وراء معان فخمة ضخمة؛ هي في الواقع عين الحقيقة، ولب الشريعة. وإلا فمن ذا الذي ينكر أنه تعالى يفعل ما يريد؟ {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} أو أن الأمر أمره، والخلق خلقه؟ وأن الجميع ملك له وعبيد؟ إن من ينكر هذا أو بعضه؛ فإنه واقع في الكفر لا محالة: لأنه قد أنكر ما لا يصح الإيمان إلا به إنما الذي ننكره، ونحارب من أجله، ونلقى الله تعالى عليه: أنه تعالى {لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ} وأنه جل شأنه لا يظلم الناس، ولكن الناس {كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} فإذا أهان الله تعالى عبداً؛ فإنما يعاقبه بهذه الإهانة على ظلم نفسه؛ بالرضا بالكفر، والركون إليه قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}.
لذا أتبع الله تعالى ذلك بذكر خصومة المؤمنين والكافرين، وما يؤول إليه حال كل منهم. قال تعالى: