{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} أي فهمناه حقيقة القضية، وحسن الحكومة. وذلك لأن حكم سليمان طابت به نفس الخصمين، وعاد لكليهما ماله كاملاً غير منقوص. ومن هنا نعلم أنه لم يوفق موفق إلا بهدي من الله تعالى، ولا يحكم حاكم بعدل إلا بإرشاد منه تعالى ووحي. فكم رأينا ذكياً أخطأ، وغبياً أصاب {وَكُلاًّ} من داود وسليمان {آتَيْنَا حُكْماً} نبوة {وَعِلْماً} تبصرة بأمور الدين والدنيا. وقد أراد الله تعالى أن يرينا قدر داود عليه السلام، وأن حكمه - ولو أنه خالف الأولى - لم يغض من شأنه، أو ينقص من قدره. فقد حكم في حدود العدل الذي ارتآه؛ فلما وجد حكماً أقرب إلى العدل، وأدنى من المصلحة: أقره وأمضاه؛ لذلك كان أهلاً لما اختصه الله تعالى به، واختاره له؛ فقد سبحت الجبال معه والطير؛ بتوفيق من الله تعالى {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} يسبحن معه أيضاً: إكراماً له، وإعزازاً قال تعالى:{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}