{وَقَضَى رَبُّكَ} أمر وألزم وأوجب {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} أردف تعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين لأنه سبحانه هو المؤثر في وجود الإنسان على الحقيقة، والوالدان هما المؤثران في وجوده - بحسب العرف الظاهر - وأيضاً فإن الله تعالى لا يمل من الإنعام على عبده؛ ولو أتى بأعظم الجرائم، وأكبر الآثام، وكذا الوالدان لا يملان الإنعام على ولدهما وإكرامه؛ ولو كان مسيئاً لهما غاية الإساءة فليتأمل ذلك العاق لأبويه، وليبادر بالإحسان إليهما؛ ليحظى بالغفران وقد ذهب بعض الفلاسفة إلى أن الوالدين لم ينجبا ولدهما رغبة في إيجاده، وإنما هو ثمرة لشهوة اشتهياها وأراداها بمحض اختيارهما؛ فلا فضل لهما عليه، ولا منة أسدياها إليه. وقد فات هؤلاء الفجار أن الله تعالى جعل مصدر الولد الاشتهاء واللذة: لحكمة حفظ الأنواع وبقائها؛ وناهيك بما يتحمله الوالدان بعد ذلك في سبيل تربية بنيهما وتنشئتهم وما يبذلانه من متاعب في سبيل راحتهم: فطالما سهرا ليناموا، وشقيا ليسعدوا وطالما أنفقا من مالهما في سبيل إطعامهم، وطالما بذلا النفس والنفيس في سبيل تمريضهم والمحافظة عليهم أليس كل ذلك موجب لإكرامهما وإعزازهما، وطلب الرحمة لهما فليتأمل ذلك كل عاق لوالديه، وليبادر إلى إدراك ما فاته من الإحسان إليهما؛ قبل أن ينقطع حبل حياتهما فيخسر الدنيا والآخرة
وقد ورد أن الله تعالى لا ينظر يوم القيامة لمن عق والديه {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ} خص تعالى
⦗٣٤١⦘ الكبر؛ لأنه مبعث الضعف والحاجة، ومظنة الملل والاستثقال {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} وهي أدنى كلمة تقال في التضجر. وقد ورد عن الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه:«لو علم ربك دون أف لنهى عنه»