{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} ما صح وما جاز {أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} الإثخان: كثرة القتل؛ وذلك حتى يذل الكفر بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام والمسلمين بالاستيلاء والقهر؛ ثم يكون بعد ذلك الأسر. وقد روي أن النبي أتى بسبعين أسيراً - فيهم العباس عمه وعقيل - فاستشار النبي أصحابه فيهم؛ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: قومك وأهلك، استبقهم لعل الله يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: كذبوك وأخرجوك، فقدمهم واضرب أعناقهم؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله قد أغناك عن الفداء: مكن علياً من عقيل، وحمزة من العباس، ومكني من فلان - لنسيب له - فلنضرب أعناقهم فقال عليه الصلاة والسلام: مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم؛ حيث قال:{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ومثلك يا عمر كمثل نوح؛ حيث قال:{رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهم: «إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم؛ فقالوا: بل نأخذ الفداء - فاستشهدوا بأحد - فلما أخذوا الفداء نزلت هذه الآية {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} أي متاعها؛ ويعني به ما أخذ من فدية الأسرى {وَاللَّهُ يُرِيدُ} لكم {الآخِرَةَ} وما فيها من نعيم مقيم وفي هذه القصة من احترام الشورى، والنزول على رأي الأغلبية ما فيه؛ وليس من أحد أوسع حكمة، وأسدّ رأياً، وأهدى
⦗٢٢٠⦘ رشداً؛ من الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه؛ ولكنه استشار أصحابه، وأمضى رأي الجماعة؛ تنبيهاً لأمته، وتعليماً لهم؛ وإقراراً لنظم الشورى، وهذه هي الديمقراطية الحقة؛ التي يجب السير على نهجها {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} في ملكه، غالب لا يغلب {حَكِيمٌ} في صنعه