{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُاْ} بأعينهم {الْعَذَابَ الأَلِيمَ} الذي وعدوا به في الدنيا، أو يوم القيامة؛ فحينئذٍ يعلمون أنه الحق من ربهم؛ حيث لا يجدي إيمانهم، ولا تنفع توبتهم
وقد ذهب جل المفسرين - إن لم يكن كلهم - إلى أن المقصود بذلك: أن الله تعالى يسلك التكذيب
⦗٤٥٦⦘ في قلوب الكافرين؛ ليمنعهم من الإيمان. وهو قول بادي البطلان، ظاهر الخسران؛ يتنافى مع العدل المطلوب من بني الإنسان؛ فما ظنك بالرحيم الرحمن أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين
هذا ويؤيد ما ذهبنا إليه - وخالفنا المفسرين فيه - قوله جل شأنه في ختام هذا القول:{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ * ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} إذ كيف يرسل تعالى المنذرين؛ وقد سلك تكذيبهم في قلوب الكافرين؟ وكيف ينفي الظلم عن نفسه؛ وما زعمه المفسرون هو الظلم المبين
وكيف يتفق قول المفسرين؛ وقول العزيز الحميد، في كتابه المجيد «ولا يرضى لعباده الكفر» وكيف لا يرضاه؛ وقد سلكه في قلوبهم، وأجراه في دمائهم؟ وكيف يحول المولى سبحانه وتعالى بينهم وبين الإيمان؛ وهو جل شأنه القائل:{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى}؟ وكيف يؤمنون، أو يهتدون؛ وقد حال بينهم وبين الإيمان والاهتداء؟ {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}.
ونحن إذا ما وافقنا المفسرين فيما ذهبوا إليه: احتجنا إلى تعليل قولهم تعليلاً مقبولاً؛ بأن نقول: إن سلوك التكذيب في قلوبهم: كان نتيجة لإصرارهم على الكفر، وتعاميهم عن الحق؛ رغم وضوح آيات الله تعالى، وتواتر معجزاته، وصدق رسالاته وقد وصف الله تكذيبهم بأشنع ما يوصف به المكذبون - من جهل وعناد واستكبار - فقد بلغ تكذيبهم: أن لو قرأ القرآن عليهم من لا يدريه ولا يفهمه؛ بل ومن ليس في عداد الآدميين؛ من الأعجميين {مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} فكان سلوك التكذيب في قلوبهم: عقوبة لهم على عنادهم؛ كقوله تعالى {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فكانت الإزاغة عقوبة على الزيغ. وقوله جل شأنه:{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} فكان الظلم والفسق سابقان للإضلال وبغير الذي قلنا لا يستقيم المعنى الذي أرادهالله، ولا تتوافر القدسية الواجبة في حقه تعالى فليتأمل هذا، وليعتبر به من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد (انظر الآيات ٣٣ من سورة الرعد و٨ من سورة فاطر وصلى الله عليه وسلّم٨ من سورة الحج)