{لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} أي صفة السوء: وهو الجهل، والكفر (انظر مبحث التعطيل بآخر الكتاب){وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} الصفة العليا، والمثل الكاملة؛ التي لا يتصف بها المخلوقون: فاتصافه تعالى بالعلم والكرم؛ ليس كاتصاف سائر البشر بهما؛ إذ أن علم البشر وكرمهم محدودان. وعلمه تعالى وكرمه لا يحد. واتصافه جل شأنه بالكبرياء والجبروت؛ ليس ككبرياء البشر وجبروتهم؛ إذ أن تكبرهم وتجبرهم مذموم مؤاخذ عليه، وكبرياؤه تعالى وجبروته لازمة من لوازم ربوبيته ووحدانيته، فإذا ما استطاع إنسان أن يفهم الكمال الإلهي حق الفهم: ازداد ب الله معرفة، ومنه قرباً والتعرف إليه تعالى يحتاج إلى استعداد مخصوص فكلما ازداد تمسك العارف ب الله بأهداب الفضائل الإنسانية؛ التي أمر بها الشرع، وحث عليها الدين نما حبه لله، وأحبه الله
وإنه مما لا شك فيه أن الإنسان الكريم: أحسن فهماً، وأصدق عبادة، وأرق قلباً من البخيل. وكذلك الإنسان الرحيم: أشد خوفاً لله من القاسي. والصبور: أكثر إيماناً من الأحمق النافد الصبر. والعالم: أشد معرفة من الجاهل.
وهكذا كلما ازداد الإنسان تعلقاً بالفضائل والمثل العليا: كان أكثر محبة لله، وأكبر معرفة به،
⦗٣٢٧⦘ وأشد قرباً منه وأمكنه بواسطة هذه الطاقات والإمكانيات أن يتذوق الحب الإلهي ويستشعر ما أعده الله تعالى له من نعيم مقيم؛ فيظل طوال حياته سعيداً بإيمانه، سعيداً بقربه، سعيداً بحبه لأنه علم علم اليقين: أن {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} وأنه جل شأنه: الواحد الأحد، الفرد الصمد، القادر المقتدر، الجبار المتكبر، الخالق الرازق، المعطي المانع، الخافض الرافع؛ الذي لا إله إلا هو {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في ملكه، الغالب الذي لا يغلب {الْحَكِيمُ} في خلقه؛ المدبر لأمورهم