ولكن الإثم كل الإثم: أن نرى المنكر ولا نغيره، ونتلو الباطل ولا نمحوه؛ ويهبنا المولى الجليل ميزان الأمور؛ بقسطاس العقل المنير -الذي به شرفنا وفضلنا على كثير ممن خلق من العالمين- فنلغى ما وهبنا، ونربط عقلنا بعقال غيرنا. وقد يكون هذا الغير آثماً أو مخطئاً -وقد كتب الخطأ على سائر بني آدم- «كل ابن آدم خطاء»، فكيف نحمل أنفسنا إثم الآثمين، وخطأ المخطئين؛ ونمتطي تكلم الآثام، ونترسم خطى هاتيك الأخطاء؟!
ولكني -بحمد الله تعالى وحسن توفيقه- استعنت بقلبي وربي، وحكمت عقلي ولبي؛ في كل ما قرأت وسمعت؛ فهداني الهادي إلى ما كتبت؛ وروح القدس معي، والرحمن يحدوني بإلهامه وإكرامه، ويمدني بفيض فضله وإنعامه!
وقد أسوق الدليل: فلا يروقك -بادئ ذي بدء- لغرابته وجدَّته، ولما سيطر على ذهنك من أقوال سابقة كالهواء، وحجج متلاحقة كالهباء! ولكنك بعد قليل من التذوق والتروي: تجده أروى من الرواء (١)، وأصفى من الصفاء!
وها هو ذا -كما قلت في مقدمة طبعته الأولى-، «يعني عن جل التفاسير، حيث لا تغني كلها عنه!» ولا بدع فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم!
هذا ولم أدع مزيداً من العلم والرواية؛ بل زعمت صحة التمحيص والدراية (٢)، والغوص وراء حقيقة المعاني: المحتجبة إلا عن الواصلين، المغطاة إلا عن المتقين!
وحاربت -حربا ً لا هوادة فيها- كل ميل عن السبيل، وزيغ عن الطريق، وحيدة عن الصراط؛ ليكون التكلم في كتاب الله: خالصاً لوجه الله!
ومما يدعو لشديد الأسف، ومزيد الألم: أن بعض الأمة الإسلامية -وقد اصطفاها الله تعالى من بين الأمم، واختصها بخير رسول، وميزها بأفضل كتاب - قد استكانوا
ــ
(١) ماء رواء: كثير مرو.
(٢) من معاني الزعم: القول الحق، وفي الحديث «زعم جبريل».