ومأكله، وملبسه؛ وربما تتابعت الأيام - بل الشهور - ولم توقد بداره نار وكان دائب السعي لنشر دين الله ليلاً ونهاراً؛ غير طامع في مرتبة، ولا طامح إلى سلطان، أو متطلع إلى صيت أو شهرة ولم يكن ذليلاً، ولا متكبراً؛ فهو قائم في ثوبه المرقع: يخاطب قياصرة الروم، وأكاسرة العجم؛ بقوله المبين ويرشدهم إلى ما يجب عليهم وقد كان محمد صادقاً؛ ما في ذلك ريب هذا الذي خلق من الصحراء القاحلة: دولة وشعباً، وأمة إنه لم يمارس معجزة، ولم يدع أنه قادر على إتيانها؛ ولكن حياته ذاتها: كانت معجزة تفوق كل المعجزات
وكيف يستطيع الواصف أن يصف أخلاق من آذاه قومه بأقسى ضروب الإيذاء، وابتلوه بأشنع أنواع الابتلاء؛ فلم يقابل أذاهم بالدعاء عليهم؛ بل بالدعاء لهم:«اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» وقديماً أصيب نوح عليه السلام ببعض ما أصيب به محمد، فقال:{رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} فتبارك من خصنا ببعثته، وشرفنا برسالته (انظر آية ١٩٩ من سورة الأعراف)