الإقلال حيث لا خلل، وفي بعضها الإكثار حيث لا ملل. وقد حاولت جهد الطاقة الابتعاد عن دس الدساسين، ووضع الزنادقة والملحدين!
أما التشدق بتصريف الألفاظ وتأويلها، وتحميلها ما لا تحتمله -كشأن أكثر التفاسير- فلم أعره أي التفات، بل كان جل همي إيضاح المعاني وحل المشكلات.
وقد التزمت الإطالة في المواضع التي طرقتها طائفة المبشرين، ولمزتها أعداء الملة والدين، ووفيت أبحاثها، ودعمت حججها وبراهينها.
وقد أغفلت بضع مواطن لم أوفق لحلها، ولم أهتد لتأويلها، ولم أجد فيما قاله فيها المتقدمون والمتأخرون ما يرتاح إليه الضمير، وينشرح له الصدر: فتركته راغماً لا راضياً؛ وهذا نهاية عزمي، وقصارى جهدي.
ولم أقل إنني أحطت بكل دقائق التأويل، وسائر حقائق التنزيل؛ فهذا ما لا يستطيعه بشر، ولا يقوى عليه إنسان {وما يعلم تأويله إلا الله}.
وحقاً إننا لو أردنا استيفاء معنى آية واحدة؛ لما استطعنا حصر ما فيها من جليل الحكم وغزير الفوائد، وإن الأوائل -رغم شدة توسعهم، وعظم تبحرهم- لم يستطيعوا فهم سائر معانيه وإدراك كل مراميه؛ وإنني في كثير من الأحيان أشعر بفهم آية من الآيات حيث لا أملك الإبانة عما فهمته، أو الإفاضة بما علمته؛ وحقاً إن هذا الضرب، لمن ضروب الإعجاز الذي امتاز به القرآن الكريم، ولعل من تقدمني من أفاضل المفسرين عرض له مثل الذي عرض لي، وهكذا يقتضي العجز البشري تجاه عظمة لا نهائية كعظمة القرآن.
مع العلم أن القرآن الكريم فوق سائر العقول والأفهام؛ وجميع التفاسير مهما علت وجلت: لا يصح أن تكون حجة عليه، بل هي ترجمة له.
وقد جرت عادة المؤلفين أن يصدروا مؤلفاتاهم بمقدمات يذكرون فيها أنهم جابوا الصحارى والقفار، وجاسوا الممالك والأقطار؛ حتى وصلوا إلى ما عجز عنه الأوائل، ولم يهتد إليه الأواخر.