للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤيد هذا ما ثبت في صحيح مسلم (١) وغيره من حديث أبي سعيد قال: أصيب رجل في ثمار ابتاعها، فكثر دينه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تصدّقوا عليه)؛ فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال: (خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك) (٢)، ولم يوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - على البائع منه للثمار أن يردّ الثمن الذي قبضه منه.

ولو سلمنا تنَزّلا لكان وضع الجوائح مختصا بما تلف بالآفات السماوية كما تقدم في حديث أنس بلفظ: (إذا منع الله الثمرة)، وأما إذا تلف المبيع بجناية فإن كانت من المشتري فقد جنى على ماله وأتلفه، وإن كان الجاني غيره كان ضمانه عليه بسبب الجناية، سواء كان الجاني هو البائع أو غيره (٣).

(جـ) وأما الدليل الثامن: فيجاب عنه: بأن هناك فرقاً بين المكيل والموزون والمعدود والمذروع وما ليس كذلك. فإن المكيل ونحوه يحتاج إلى توفية؛ لأنه لم يتعين بعد ولم يتحدد؛ فكيف يضمن المشتري شيئاً غير محدّد له؟ بخلاف غير المكيل ونحوه، فإنه لا يتطلب إلى توفية؛ لأنه محدّد ومعين، وبهذا فإن المشتري يعرف ماذا يضمن (٤).


(١) هو العلامة المحدث مسلم بن الحجاج بن ورد، أبو الحسين، القشيري النيسابوري، ولد سنة ٢٠٤ هـ، سمع من يحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والقعنبي وغيرهم، وروى عنه الترمذي وأبو عوانة الإسفرايني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وغيرهم، وصفه الذهبي بالإمام الكبير والحافظ المجود والحجة الصادق، من مؤلفاته: الجامع الصحيح، كتاب الكنى والأسماء وغيرهما، توفي سنة ٢٦١ هـ.
انظر: وفيات الأعيان (٥/ ١٩٤ - ١٩٦)، تهذيب الكمال (٢٧/ ٤٩٩)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٥٧٧).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين (٣/ ١١٩١) برقم (١٥٥٦).
(٣) السيل الجرار (٣/ ١٢٢).
(٤) انظر: المقنع لابن البنا (٢/ ٦٨٠).

<<  <   >  >>