للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٦٥٧ - ثم الحلق للرجال أفضل، والأصل فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أصحابه بالتحلل، عامَ الحديبية، وتَوانَوا في التحلل والحِلاق، وأمرهم ثانية وثالثة، فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة، فقال: أما تَرَيْن قومك، أمرتهم بالتحلل، فلم يفعلوا!! فقالت: اخرج، ولا تُحدث أمراً، حتى تدعوَ بحالقك، فيحلقَ شعرك، وبجازرك فينحرَ هديك، فخرج، وفعل، فابتدر الناس إلى الحِلاق، والنحر، حتى كادوا يقتتلون، فمنهم من حلق، ومنهم من قصر " (١). وقيل ما أشارت امرأة بالصواب، إلا أم سلمة في هذا الأمر.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله المحلقين ". قيل: يا رسول الله، والمقصرين. قال: " رحم الله المحلقين ". قيل: يا رسول الله، والمقصرين، قال: رحم الله المحلّقين، قيل: يا رسول الله، والمقصرين. قال: والمقصرين " (٢).

٢٦٥٨ - ثم قال الأئمة: إذا ثبت أن الحلق أفضل، فلو نذر الحلقَ في أوانه، لزمه الوفاء بالنذر، ولم يُغن التقصير، فحكموا بأنه يلتزمه بعينه بالنذر، وقد نص الشافعي عليه أيضاً.

ولو لبّد المحرم رأسه، وعقصه، فهذا لا يفعله إلا العازم على الحلق، فهل ينزل هذا منزلةَ نذر الحلق؟ فعلى قولين. ونظير ذلك في المناسك التقليدُ والإشعار؛ فإن القول اختلف في أنه هل ينزل ذلك منزلة قول القائل: جعلت هذا ضحية؟ ومما يداني ذلك أن من رأى بهيمةً مذبوحة مشعَرة، قد غُمِس مَنْسِمها (٣) في دمها، وضُرب به


(١) حديث مشورة أم سلمة يوم الحديبية رواه البخاري من حديث المِسْوَر بن مَخْرَمةَ، ومروان بن الحكم الطويل في قصة الحديبية (الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، ح ٢٧٣١، ٢٧٣٢).
(٢) حديث رحم الله المحلقين: متفق عليه من حديث ابن عمر: البخاري: الحج، باب الحلق، ح ١٧٢٧، ومسلم: الحج، باب تفضيل الحلق، ح ١٣٠٢، ومن حديث أبي هريرة، نفس الموضع عند البخاري ومسلم، ورواه مسلم من حديث أم حصين، في الموضع نفسه، وأحمد عن أبي سعيد، المسند: ٣/ ٢٠، ٨٩، وانظر التلخيص: ٢/ ٤٩٩ ح ١٠٦٢.
(٣) المَنسم: بفتح الميم وكسر السين. طرف خف البعير.