للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والوجه الثاني - أن العم تثبت له الشفعة إذا عفا الأخ؛ لأنه شريك، ولكنا رأينا تقديم الأخ عليه؛ من جهة أنه أقرب، فإذا سقط حق الأقرب، وجب أن يستحق العم لوجود الملك، وأصلِ الشركة.

٤٧٤٥ - وهذا يضاهي مذهب أبي حنيفة (١) في تقديم الشريك على الجار، وهو يناظر من صور الوفاق تقديمَ المرتهن على سائر الغرماء بالمرهون، فلو أسقط المرتهن حقه من الرهن، أو أبرأ عن الدين، صُرف المرهون إلى حقوق الغرماء، وكذلك إذا قتل رجل جماعة، وثبت القصاص عليه، فإذا كان قتلهم ترتيباً، فحق الاقتصاص لولي القتيل الأول، ولو عفا، فحق الاقتصاص لولي القتيل الثاني. وهكذا إلى انتهاء الأمر إلى ولي القتيل الأخير.

وحقيقة هذا الخلاف ترجع إلى أنا إذا قدمنا الأخ على العم، فهذا إسقاط للعم عن الاستحقاق أصلاً، أم ثبتت له الشفعة ولكنا نراه مزحوماً بالأخ؟ فيه الخلاف الذي ذكرناه.

وقد يجري مثل ما ذكرناه هاهنا في ازدحام الشفعاء إذا عفا بعضهم عن الشفعة؛ فإن الحق في ظاهر المذهب في جميع الشقص يثبت للباقين، وليس هذا حقاً متجدداً لهم، ولكن لكل واحد من الشفعاء حقُّ استحقاق جميع الشقص لو انفرد، فإذا كان مزحوماً بآخرين، لم يأخذ كل واحد إلا مقداراً، فمن عفا وخرج عن الاستحقاق، عاد الباقون إلى التقدير الذي ذكرناه. حتى لو عفا الجميع إلا واحداً، فهو يأخذ الشقص بأصل الاستحقاق، لا باستفادةٍ من جهة الشركاء. وسيأتي تقرير (٢) ذلك في موضعه، إن شاء الله تعالى.

ثم ما ذكرناه في الأخوين والعم، وعفوِ الأخ يخرّج في كل صورة ذكرناها في قوله القديم، فإذا اشترى رجلان داراً، ثم وهب أحدهما نصيبه، من اثنين، ثم باع أحد المتهبين نصيبه، وفرعنا على أن صاحبه أولى بالشفعة من الشريك القديم، فعلى ما ذكرناه من خلاف الأصحاب.


(١) ر. مختصر اختلاف العلماء: ٤/ ٢٣٩ مسألة: ١٩٤٧، البدائع: ٥/ ٨.
(٢) (ت ٢)، (ي)، (هـ٣): تحقيق.