ما اشترى بعده، لتتعلق يمينه برد الدعوى على هذه القضية، فإن نَفْيَ فعل الغير بيمين باتَّة لا وجه له في صيغ الأيْمان. فإذا حلف على هذا، انتجزت الخصومة وينتصب المدعى عليه مدعياً، فيدعي أنه اشترى نصيبه قبل نصيب صاحبه، والقول قول صاحبه مع يمينه، فإن حلف صاحبه، كما حلف هو، أقررنا الدار بينهما، ونفينا الشفعة، وكلٌّ على ما اشتراه.
وإن نكل الأول لما حلّفناه، حلف صاحبه، واستحق الشفعة، فلو أراد المدعى عليه بعدما نكل، ورُدّت اليمين أن يدعي دعواه، صائراً إلى أن هذه خصومة أخرى، لم نمكنه من ذلك؛ فإن نصيبه قد أخذ بالشفعة، وحلف صاحبه يمين الرد، على أبلغ وجه في التصريح، فكيف نحلفه مرة أخرى على الإبهام؛ فإن يمين المدعى عليه تقع على النفي، كما تقدم، وإذا أخذ الشقصَ بالشفعة، فقد انقطعت الخصومة.
وهذا من لطيف أحكام الخصومات؛ فإن الخصومة متعددة، ثم وقع الاكتفاء بانتهاء إحداهما نهايتها، وأغنت عن الأخرى، لمّا كان متعلّق الخصومتين متحداً، كما ذكرناه.
٤٨١٩ - هذا كله إذا لم يكن بينهما بيّنة. فأما إذا كان في الخصومة بينة، لم يخل إما أن يقيم أحدهما بينة، أو يقيم كل واحد منهما بينة، فإن انفرد أحدهما بالبيّنة، فشهدت على تقدم شرائه على شراء صاحبه، قضي له بالشفعة.
وإن أقاما بينتين، فقد تقومان من غير تناقضٍ، فلا فائدة فيهما، وهو أن تشهد كل بينة أن هذا اشترى يوم الجمعة، ولم يتعرضا لتعيين الوقت، فلا أثر للبيّنتين؛ إذ ليس فيما جاءا به بيانٌ.
وإن شهدت كل بينةٍ أن تملك من يقيمها سابق على تملك الثاني، فهذا تناقض في المقصود، والأصح في مثل ذلك التهاترُ والتساقطُ، حتى نجعل كأنْ لا بينة، ونعود إلى فصل الخصومة بينهما من غير بينةٍ.
وللشافعي قول في استعمال بينتين. ثم في كيفية الاستعمال أقوال: أحدها - القرعة، والثاني- الوقف، والثالث- القسمة.