للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن قال قائل: حق القيام لمن له حق المنفعة والريع، قيل له: القيام يمكن أن يضاف إلى الملك، ويمكن أن يضاف إلى المنفعة، وإضافته إلى الملك أولى من إضافته إلى المنفعة.

فهذا حاصل القول في إطلاق الوقف.

٥٧٣٨ - وتتمة البيان فيه أنا قد نقول: إذا أُتلف الموقوفُ، يستحق الواقف قيمته ملكاً. وإذا قلنا: الملك لله تعالى، فالقيمة في وجهٍ من الوجوه لا تصرف إلى مال الله تعالى، فاتضح بما ذكرناه أن إضافة الملك تقدير في الوقف على الأعيان، وهو تحقيق في حق الواقف، وكما لا يظهر إضافة الملك في رقبة الوقف إلى المساكين، فكذلك لا يظهر إضافة الملك في الوقف على الأعيان إلى الله تعالى، وليس الوقف قربة.

٥٧٣٩ - فأما إذا وقف الواقف، وشرط التولِّي لنفسه، أو لأجنبي أو لبعض من عليه الوقف، فقد قال الأئمة يُتّبع شرطُه، فإن شرط لنفسه التولِّي، فهو له. وإن شرطه للموقوف عليه، فلا شك في ثبوته، وإن شرط لأجنبي، فظاهر المذهب أنه ينتصب ذلك الأجنبي بنصب الواقف. وهذا الآن في حق الأجنبي يُحمل على إثبات حق له، وسلطنةٍ في الوقف بشرطٍ من إنشاء [الواقف] (١).

فإن قال قائل: إذا فرعنا على أن الملك للموقوف عليه، والحق في الريع له، فما وجه حق ثبوت التولِّي لغيره؟ قلنا: من أنكر تخصيصات الواقف وتحكماته في شرائطه، فليس على خبرةٍ من الكتاب؛ فإن العلماء متفقون على أنه لو شرط ألا تُكرى الضيعة الموقوفة، بل تُستغل، فلا يجوز أن تكرى، ولو شرط ألا تكرى أكثر من سنة، وجب اتباع شرطه، ومبنى الوقف على اتباع تحكمات الواقف، إذا لم يخالف موجَب الشرع، وليس كهبة الواهب؛ فإنه لا يبقى له تحكم إذا أقبض، ولو تحكم بطلت الهبة بتحكّمه، فللواقف على الأعيان تعيينُ جهات الانتفاع.

والأصل الشاهد فيه أنه وإن ملك الموقوفُ عليه الرقبةَ -على قولٍ- والمنفعةَ،


(١) في النسخ الثلاث: الوقف. والمثبت تقدير منا.