للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصحاب فيه الاتصالُ، والإحالةُ على العرف، وقد تقصَّيت هذا في البيع، وأوضحتُ أن المنتهى المطلوبَ فيه أن لا يتخلل زمانٌ يشعر تخلُّله بإعراض المخاطَب عن الجواب؛ فإذا تخلل مثله، انقطع.

ومن لطيف الكلام في ذلك أنه لو أمكن تردده ليفكر ويرعى المصلحة، ويرى ما عنده، فلا معوّل على هذا، فإن الإيجاب والقبول مبنيان على تقديم الرأي، ومن يوجب يبتدىء الكلام، وغرضه أَخْذُ الجواب على الفور، لا تفويضُ الأمر إلى المخاطب ليرى [رأيه] (١). فإذا تخلل ما يقطع الاتصال الذي ذكرناه، بطل التواصل، ولو وجد قبول من بعدُ، لم ينفع. والمذهب أنه لو تخلل كلامٌ يسير لو فرض بدله سكوت لما انقطع، فلا أثر لتخلل ذلك الكلام، ونصُّ الشافعي: [شاهد] (٢) فيه؛ فإنه قال: "لو خالع امرأته، فارتدت، ثم قبلت، ثم عادت قبل انقضاء العدة، وهي ممسوسة، فالخلع واقع"، فلم يجعل تخلل كلمة [الردة] (٣) قاطعة للجواب عن الإيجاب.

وذكر الشيخ أبو علي في شرح التلخيص أن تخلّل كلامٍ من القابل بين الإيجاب والقبول يقطع القبول، وهذا غير سديد؛ فإنه [لا يدلّ] (٤) على الإعراض، والنص يخالف ما قال، كما ذكرته.

ولو طال الزمان، وكان المجلس الواحد جامعاً لهما، فينقطع العقد، ولا أثر لاتحاد المجلس، لم يختلف فيه أئمة المذهب. وقد يُطلق الشافعيُّ لفظ المجلس في مثل ذلك، ولا يعني به المجلس الذي يتعلق به خيار المجلس؛ فإن ذلك المجلس وإن طال، امتد الخيار بامتداده، فمن أطلق المجلس [عَنَى] (٥) المجلسَ القصير الذي يليق بمجلس المخاطب على ما سبق تفصيله. ولو وُجد الإيجابُ، ففارق المخاطَبُ


(١) في الأصل: برأيه.
(٢) في الأصل: مشاهد.
(٣) في الأصل: الرّد.
(٤) في الأصل: لا يزل.
(٥) في الأصل: على.