للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب أحكام الذمة]

(يلزمَ الإمام أن يأخذهم بأحكام المسلمين في ضمان النفس، والمال، والعِرض، وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله)، لا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين: بذل الجزية، والتزام أحكام المِلَّة، من حقوق الآدميين في العقود والمعاملات، وأُروش الجنايات، وقِيَمِ المتلفات، فإن عَقَدَ على غير هذين الشرطين لم يصح؛ لقوله سبحانه: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]، قيل: الصغار جريان أحكام المسلمين عليهم (١).

وأما إقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه فكالزنا والسرقة ونحوهما، وسواء كان ذلك الحدُّ واجبًا عليهم في دينهم أو لا؛ لأن الإسلام فَسَخَ كلَّ حكمٍ يخالفه.

وأما ما يعتقدون حِلَّه فكشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ونكاح ذوات المحارم للمجوس فإنهم يُقَرون عليه؛ لقول الله سبحانه: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]، فأمر بإقرارهم على ذلك بإعطاء الجزية، ولأننا نقرهم على كفرهم وهو أكثر من ذلك، إلا أنهم يُمَنعون من إظهاره بين


(١) ينظر: أحكام القرآن للشافعي ٢/ ٦٠، وتفسير البغوي ٢/ ٢٨٢، وقد نسب هذا القول إلى الشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>