بعد أن تولى الحافظ عبد الغني رعاية البهاء وتلقينه أصول العلم ومآخذه بحفظ القرآن، وتعليمه الكتابة، سمع بدمشق قبل أن يرحل منها من عبد الله بن عبد الواحد الكناني في سنة سبع وستين (توفي ما بين ٥٧١ - ٥٨٠ هـ)، ومن القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت ٥٧٢ هـ)، ومن محمد بن بركة الصلحي (ت ٥٦٥ هـ) ومن أبي الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبي العجائز (ت ٥٧٦ هـ)، قال الذهبي في تاريخ الإسلام:«وجماعة».
ويلاحظ أن هؤلاء الذين أخذ عنهم البهاء في هذه المرحلة كانوا من أكابر الشيوخ في دمشق سنًّا آنذاك؛ إلا أنهم لم يكونوا بذاك الشهرة المقصودة بالإسناد كما سيأتي عمن أخذ عنهم في رحلاته العلمية.
رحلته الأولى إلى حَران: بعد أن اشتَدَّ البهاء في العلم، قام الحافظ عبد الغني بتزويده ما يتبلغ به في الرحلة إلى حلْقة الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي (ت ٦١٤ هـ)، وكانت هذه أول رحلة له إلى حرّان.
وفي حرّان قعد في دار الفقيه شمس الدين أبي الفتح ابن عبدوس (ت قبل ٦٠٠ هـ)، فأكرمه وأحسن إليه، وكان عمره آنذاك قد تجاوز الخامسة عشرة، وجلس في مبتدأ إقامته يقرأ القرآن على جماعة في نحو ستة أشهر، وكان يصلي بهم التراويح.
رحلته الثانية إلى الموصل وبغداد: ثم رحل إلى بغداد مع العماد المقدسي وابن أخته عبد الله بن عمر بن أبي بكر (ت ٥٨٦ هـ)، الذي قال عنه البهاء:«كان أبو القاسم عبد الله بن عمر فيه من الذكاء والفطنة ما يدهش أهل بغداد، كان يحفظ درس الشيخ إذا ألقي عليه مرة أو مرتين، وكنت أتعب حتى أحفظه»(١).