ونخلص مما سبق أن للكتاب حظوة عند المشتغلين بالمذهب، واهتمامًا لدى المبتدئين والمنتهين فيه، مع ما كان عليه الكتاب من حسن الترتيب والتقسيم، وجودة العبارة والتفهيم، ومع ما حواه من شمول غالب أمهات أحكام مسائل المذهب.
ويبقى أنه من ناحية تقويم الكتاب؛ فإن الكتاب ألفه الموفق مختصرًا لدرجةٍ من درجات المبتدئين في الفقه كما قال الموفق عنه في مقدمة الكتاب ص ٢١:«اجتهدت في جمعه وترتيبه، وإيجازه وتقريبه، وسطًا بين القصير والطويل، وجامعًا لأكثر الأحكام عرية عن الدليل والتعليل».
وقال ابن بدران:«وذلك أن موفق الدين راعى في مؤلفاته أربع طبقات، فصنف العمدة للمبتدئين، ثم ألف المقنع لمن ارتقى عن درجتهم ولم يصل إلى درجة المتوسطين»(١).
ولما كان حال المقنع في هذه الدرجة اكتنفت عباراته الاختصار وخلو الدليل، إلا أنه لم يجعله على قول واحد كحال العمدة في الفقه، فجمع إلى ذلك حكاية روايتين في بعض مسائله وأحيانًا قليلة أكثر من روايتين، ليجعل لقارئه والمعتني به مجالًا إلى كد ذهنه، ليتمرن على تصحيح المسائل والرقي في النظر إلى عللها ومآخذها.
ولذلك نجده يكثر من نسبة اختيار أئمة المذهب إلى قائلها دون نسبة الروايات إلى الإمام، مع كون تلك الروايات معلومة عنده مصدر قائلها ومنزلتها بين نصوص الإمام كما هو ظاهر في المغني، وما ذلك إلا ليجعل القارئ المبتدئ يرتقي في معرفة فقهاء المذهب بالرجوع إلى تقريراتهم والوقوف عليها لتكون سبيلًا إلى فهم كلام الإمام وصولًا إلى