للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتفقت أنا وعلي ابن الطالباني، ويحيى ابن الطباخ، فترافقنا إلى الموصل، ثم ذهبنا إلى مَراغة (١) في طلب علم الخلاف، فاكتريت إلى حران، وصبر علي الجمال بالأجرة إلى حران، وكنت أقترض من التجار ما أتبلغ به، ثم أقمت بحران نحو سنة أقرأ على شمس الدين بن عبدوس كتاب الهداية لأبي الخطاب.

ثم مضيت إلى دمشق، وتزوجت ببنت عمي زينب بنت عبد الواحد، وأنفق علي عمي، وساعدني الشيخ أبو عمر، فكنت في أرغد عيش.

إلى أن سافرت إلى بغداد سنة تسع وسبعين ومعي أخي أبو بكر، وابن عمي أحمد - يعني: الشمس البخاري - وهما دون البلوغ، وتركت زوجتي حاملًا بابني محمد، فأقمنا بحران، وصمنا رمضان، وسافرنا مع الحجاج، وجهزَنا ابن عبدوس بالكراء والنفقة، ولم تكن لي همة إلا علم الخلاف، فشرعت في الاشتغال على الشيخ أبي الفتح، وكان معيده الفخر إسماعيل الرَّفَّاء، ثم سافرت سنة ثلاث وثمانين، وخلفت ببغداد أخي، وابن عمي، فسافر ابن عمي إلى بخارى، ولحقني أخي» (٢).

وفي هذا النقل العزيز عن البهاء يتبين لنا الآتي:

أولًا: أن البهاء نشأ نشأةً يغلب عليها قلة العيش والفقر وعدم الاستقرار، ومع ذلك نجده صابرًا في رِحلاته في العلم، ناهلًا من أعالي المسندين في زمنه، طامعًا في المزيد من السماع رغم قله ذات يده، حتى بلغ به أنه كان يقترض ليتبلّغ إلى السماع، ولم يسلك سبيل والده في التجارة.

ثانيًا: كما نخلص إلى شخصيته التي اتسمت بالحياء مع الرغبة الشديدة في العلم، ولا أدلّ على ذلك من حزنه بوفاة الشيخ علي البطائحي - مسند زمانه في القراءات - وغيرها حزنًا كثيرًا لرغبته في ختم القرآن عليه.


(١) مراغة: بلدة مشهورة عظيمة أعظم وأشهر بلاد أذربيجان. ينظر: معجم البلدان ٥/ ٩٣.
(٢) تاريخ الإسلام ٤٥/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>