وسمعت على عبد الحق بن يوسف كثيرًا؛ وكان من بيت الحديث، فإنه روى عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، وكان صالحًا فقيرًا، وكان عسرًا في السماع جدًّا، وسمعنا عليه: الإبانة للسجزي بقراءة الحافظ عبد الغني، ومرضت ففاتني مجلس، وكان يمشي معي من بيته إلى مكي الغرّاد فيعيد فوتي، ورزقت منه حظًّا؛ لأنه كان يراني منكسرًا مواظبًا، وكان يعيرني الأجزاء فأكتبها، وألهم في آخر عمره القرآن فكان يقرأ كل يوم عشرين جزءًا أو أكثر.
وسمعت على أبي هاشم الدوشابي، وكان هراسًا يربي الحمام، فقلت لرفيقي عبد الله بن عمر: أريد أفاتحه في الطيور عسى يلتفت علينا، فنقرأ عليه هذين الجزأين فقال: لا تفعل، فقلت: لا بد من ذلك، فقلت: يا سيدي، إن كان عندك من الطيور الجياد تعطينا وتفيدنا، فالتفت إلي وقال: يا بني، عندي الطيرة الفلانية بنت الطيرة الفلانية، ولي قنص من فلان، وانبسط، فسمعنا عليه الجزأين ولم نَعُدْ إليه.
وسمعنا على ابن صَيْلا، وأبي شاكر السِّقلاطوني، وتَجَنِّي، وابن يلدرك، ومَنوجِهْر، وابن شاتيل، ثم أخذنا في سماع الدرس على ناصح الإسلام أبي الفتح، وكنت قليل الفهم لضيق صدري.
وكنت أحب كتابة الحديث؛ فلو كتبت النهار كله لم أضجر، وربما سهرت من أول الليل، فما أشعر إلا بالصباح.
وأشار علي الحافظ عبد الغني بالسفر معه إلى أصبهان، فاتفق سفره وأنا مريض، ثم توفي أبي سنة خمس وسبعين.
ثم اشتغلت في مسائل الخلاف على الشيخ أبي الفتح اشتغالًا جيدًا، وكنت إذ ذاك فقيرًا ليس لي بلغة إلا من الشيخ أبي الفتح - يعني ابن المنِّي - واتفق غلاء كثير فأحسن إلي، ثم وقع المرض، فخاف عليَّ فجهزني وأعطاني.