للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجب علينا أن نشير فى الواقع إلى أن هذه المكانة العليا لا تدل على أن علماء الحديث بعده لم يتناولوه بالنقد من ناحية إسناده وترتيبه ودرجة صحة بعض أحاديثه. وهناك واقع آخر وهو أنهم لم يعتبروا الجامع الصحيح للبخارى أول كتاب مصنف مبوب يقدم العون فى كل باب من أبواب الفقه وفى كل مسألة فقهية كما زعمه جولد زيهر (Goldziher ,Muh Stud.II ,٢٤٣) بل كان لا يخفى عليهم محاولة المؤلف أنه استهدف تأليف جامع صحيح مختصر مستخرج من مصنفات الجيلين السابقين من المحدثين التى قد كثر عددها وكبرت أحجامها وتعذر على المهتمين الإحاطة بها والاستفادة منها، ويبدو أن البخارى لم يفد من كتب الحديث فحسب بل إنه استخدم كثيرا من الكتب اللغوية والتاريخية والفقهية.

أما بالنسبة للأسانيد فإن التصور الذى نجده عند بعض المعاصرين من أن البخارى هو عالم الحديث الذى طور الإسناد، انظر مثلا (Caetani ,Annalidell Islam I ,١٥) لا يسلّم به الواقع التاريخى، وربما لا ننحرف عن الصواب فى افتراضنا أن البخارى هو أول محدث أراد أن يوجه الأنظار إلى أهمية المتون خلاف الإسناد الذى قطع طريقا أكثر من قرن ونصف من تطوره وثبت فى بطون الآلاف من كتب الحديث المتداولة والمتوافرة عند الناس فى عهد البخارى. ويجب علينا أن نفهم من ضرورة هذا الواقع أن البخارى أورد فى كتابه ١٣٤١ حديثا دون إسناد كامل متصل، بالإضافة إلى مقتبسات لغوية وفقهية عديدة. وقد أطلق على مثل هذا الأخذ للبخارى فى القرن الرابع «التعليق» (انظر مقدمتى لعلم الحديث» (٢٨٣).


(٢٨٣) للوقوف على آراء المؤلف فى مصادر البخارى انظر كتابه المنشور باللغة التركية فى هذا الموضوع بعنوان:
M. F. Sezgin. Buharinin Kaynaklari, Ankapa Universitesiilah iyat Fakultesiyayinla rindan, Istanbul ١٩٥٦
وقد لخّص المؤلف موضوعه ومنهجه فى مقدمة لهذا الكتاب باللغة الإنجليزية تقع فى الصفحات ٩ - ١٦، وهذه ترجمتها إلى العربية:
«منذ نحوست سنوات كنت أعد طبعة محققة من كتاب «مجاز القرآن» للغوى العربى أبى عبيدة (المتوفى ٢١٠ هـ) وقد ثبت لى بالبحث أن قسما كبيرا من هذا الكتاب قد اقتبسه البخارى وأن هذه النقول- وهى ذات

<<  <  ج: ص:  >  >>