للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الأول]

[مقدمة]

لا يزال الغموض يحيط ببدايات التدوين التاريخى عند العرب وبتطوّره خلال القرنين الأول والثانى للهجرة. لقد بدأت الدراسات فى هذا الموضوع منذ أكثر من مائة عام، وهى كثيرة بالقياس إلى الأبحاث التى تمت فى أكثر المجالات الأخرى للتراث العربى. ومع هذا كله، ونظرا لأن الآراء فى هذا الموضوع لا تزال مختلفة متضاربة فإنه يكاد يصبح متعذّرا على المؤرخ أن يقدّم عرضا إجماليا لهذا الموضوع إزاء تلك الدراسات دون أن يقوم ببحث الموضوع بنفسه، وأن يخضع النتائج التى توصل إليها الباحثون للفحص النقدىّ من جديد. وهنا يلاحظ المرء فى دهشة أن الدراسات الموجودة لدينا- بغض النظر عن استثناءات طفيفة- تصرّ على مفهوم خطأ يقول بأن الرواية لم تكن إلا شفوية، فى حين أنها لا تعرض بالمناقشة على الإطلاق للمحاولات القليلة التى اتجهت اتجاها جديدا. وهاهو جولدتسيهر (١) يعطينا مثالا لهذا، فنحن لا نكاد نجد عنده تطويرا لفكرة شبرنجر حول التدوين المبكر للرواية الإسلامية، على الرغم من أن شبرنجر كان قد أثبت بدراساته- وهذا مالا حظه جولدتسيهر بنفسه- عدم صحة الخرافة القائلة بأن الحديث كان يتداول أساسا بالرواية الشفوية. وكان شبرنجر قد عبّر أوضح تعبير عن رأيه فى مصادر المؤلفات التى أوردت مادتها مشفوعة بالأسانيد. فالطبرى مثلا كان يستمد- فى رأى شبرنجر- مادته التاريخية من الكتب وكان ينقل مقتبساته ويأخذها بنصها (٢).

كان جولدتسيهر على العكس من ذلك يرى أن مؤلفى المجموعات الفقهية فى القرن نفسه لم ينتقوا مادتهم من مصادر مدونة موجودة (٣)، بل اعتمدوا فى ذلك على المصادر


(١) انظر جولدتسيهر، دراسات إسلامية Goldziher.Muh.Stud.II ,٨ ,١٩٤ ,
(٢) انظر: شبرنجر، حياة محمد (مقدمة الجزء الثالث)
Sprenger, Lebenund Lehredes Moh. Berlin ١٨٦٩, III, Vorwort ١٠٠.
(٣) جولدتسيهر دراسات إسلامية Goldziher ,Muh.Stud.,II ,١٨٠:

<<  <  ج: ص:  >  >>