فى الربع الثانى من القرن الثانى الهجرى واصل تلاميذ علماء أواخر العصر الأموى الذين كانوا أيضا مثل شيوخهم محدثين وفقهاء- ما كان قد بدأه الشيوخ من تنظيم للمواد الفقهية طبقا لموضوعاتها. وكان أكثر هؤلاء من أوائل أصحاب كتب «المصنف» فى عالم الحديث (٣٥) وكونت الاختلافات المكانية فى هذه الفترة المبكرة عند علماء أوائل العصر العباسى اتجاهات فقهية معينة. فقد جعل أتباع مدرسة الكوفة للرأى تأثيرا جوهريا فى الفقه، وبعد وفاة حماد بن أبى سليمان (المتوفى حوالى ١٢٠ هـ/ ٧٣٨ م) التقوا حول تلميذه أبى حنيفة الذى يعدّ عند تلاميذه أول مؤسس لمدرسة فقهية. وظهر معاصراه سفيان الثورى (المتوفى ١٦١ هـ/ ٧٧٨ م) بالبصرة، والأوزاعى (المتوفى ١٥٧ هـ/ ٧٧٤ م) بالشام بمنهجين فى الفقه، وأشاد بهما أتباعهما باعتبارهما مؤسسى مدرستين مستقلتين.
وفى أوائل العصر العباسى كان مالك بن أنس (المتوفى ١٧٩ هـ/ ٧٩٥ م) أكبر ممثل لمدرسة المدينة والصفة المميزة لتعاليمه هى الأخذ بعمل أهل المدينة واعتباره أساسا من أسس التشريع الأربعة. ويعد عند أتباعه مؤسسا للمذهب المسمى باسمه. وانتشر هذا المذهب- على الأخص- فى المنطقة الغربية من العالم الإسلامى، ونحى من طريقه مذهب الأوزاعى والظاهرية، كما حافظ المذهب المالكى على مكانته إلى اليوم بوصفه واحدا من المذاهب الأربعة فى فقه السنة.
وأسس الشافعى (المتوفى ٢٠٤ هـ/ ٨٢٠ م) مدرسة بالمعنى الدقيق للكلمة كان تلميذا لمالك كما أنه درس على تلاميذ أبى حنيفة، ولذلك كانت آراؤه وسطا بين المدرستين. وكانت مصر وبغداد المركزين الرئيسيين لآرائه فى أول الأمر، ولكن عدد