إن التطور السريع للعلم، وتدوين آلاف الكتب فى مختلف مجالات التأليف وترجمة كثير من الكتب، ووجود آثار أخرى لثقافات أجنبية لا بد أنها دفعت العلماء المسلمين فى وقت مبكر إلى تصنيف العلوم. ومن الممكن أن نفترض أن هناك علاقة بين بواكير هذا وبداية تصنيف كتب الحديث وبين ظهور كتب الغريب المصنف بعد ذلك فى النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى. إلّا أننا بسبب معلوماتنا القليلة حول تطور هذا الضرب من ضروب التأليف لا نستطيع أن نرسم صورة دقيقة، كما أننا ينقصنا فى الوقت الحالى تصوّر دقيق لمستوى العلم فى نهاية العصر الأموى عند ما ظهر واصل بن عطاء (المتوفى ١٣١ هـ/ ٧٤٨ م) مؤلفا لكتابه: «كتاب طبقات أهل العلم والجهل»(انظر وفيات الأعيان لابن خلكان «بولاق» ٢/ ٢٢٦).
وأقدم كتب نعرفها فى تصنيف العلوم المختلفة هى كتب من مرحلة تالية، مثل «كتاب فى أقسام العلم الإنسى»، «وكتاب فى ماهية العلم وأصنافه» ليعقوب بن إسحاق/ الكندى (انظر: الفهرست لابن النديم: ٢٥٦). ولم تصل إلينا هذه الكتب كما لم يصل إلينا كتاب أقسام العلوم لأبى زيد البلخى (المتوفى ٣٢٢ هـ/ ٩٣٤ م، انظر: بروكلمان الملحق ١/ ٤٠٨). ويبدو أن هذه الكتب المفقودة تشبه كتبا أخرى وصلت إلينا هى:
«كتاب إحصاء العلوم» للفارابى (المتوفى ٣٣٩ هـ/ ٩٥٠ م) و «مفاتيح العلوم» للخوارزمى انظر بروكلمان ملحق ١/ ٤٣٤، و «رسائل إخوان الصفاء» المجهولة المؤلف، و «كتاب جوامع العلوم» لابن فريعون، أحد تلاميذ أبى زيد البلخى (٢٩٥).
وفى القرن الرابع الهجرى ظهر اهتمام بربط تصنيف العلوم بالأخبار الخاصة بحياة المشتغلين بكل فرع منها. وينبغى البحث عن بدايات هذا الفرع من فروع التأليف عند الوراقين المجتهدين فى الجمع والتصنيف، وعند هواة الكتب فى القرنين الثالث
(٢٩٥) انظر: ص ٣٣٨ من أصل هذا الكتاب وانظر ما كتبه ريتر Ritter ,Oriens ٣ /١٩٥٠ /٨٣ - ٨٥. وما كتبه روزنتال فى كتابه علم التاريخ عند المسلمين yrotsiH, lahtnesoE,٣٢ - ٣٤.: هكذا فى إرشاد الأريب ١٤/ ١٥٣ وفى الأصل الألمانى، أما فى تاريخ بغداد (١٢/ ١١) فاسمه (على بن عيسى الكوفى)، وفى إنباه الرواة: على بن محمد بن الزبير المعروف بابن الكوفى، ٢/ ٣٠٥ - المترجم.