الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فإن الله عزّ وجل، منذ أكرم هذه الأمة بالإسلام، وهداها سبيل الرشاد بالقرآن، وأنار لها طريق الحق باتباع سنة رسوله محمد صلّى الله عليه وسلم، وهو يأخذ بيد العلماء وطلاب العلم من أبنائها، نحو الدرس الجاد، والبحث الدقيق، ويمكّن لهم من الصبر على مشقة الطريق، والدأب فى تحمل أمانة العلم، وإخلاص النية فيه، ما يراه الناس آية من الآيات التى تبهر العيون، وتدهش العقول.
فمنذ بدأ الصحابة رضوان الله عليهم يتلقون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما يوحى إليه من ربه، ثم ينقلون هذا العلم ويبلغونه إلى التابعين من بعدهم، ومسيرة الثقافة الإسلامية تنمو يوما بعد يوم، ويجدّ فيها من العلوم والمعارف، وينضم إليها من ثقافة الأمم الأخرى ما يكوّن حضارة عظيمة، استنارت بها الدنيا قرونا متطاولة، وما زالت تستمد من هذه الحضارة. وتبنى على علومها ومعارفها، ومن هنا كان اهتمام السابقين من علماء الغرب بتراثنا الثقافى جمعا وفهرسة ودراسة وتحقيقا، ثم أصدر المستشرق الألمانى كارل بروكلمان كتابه الشامل تاريخ الأدب العربى، مؤرخا للثقافة العربية الإسلامية فى عصورها المختلفة، دالا على أماكن وجود مخطوطاتها في مكتبات العالم، وكان صدور هذا الكتاب أمرا حفز العالم المسلم الدكتور فؤاد سزگين لاستكمال هذا العمل فى أول الأمر، ثم أتيح له من التوفيق ما أنشأ به العمل إنشاء على نحو جديد، جعله سجلا للثقافة العربية الإسلامية يضم بين دفتيه أعلامها ومؤلفاتهم، وديوانا للعلوم والمعارف يسجل نشأتها ومراحل تدوينها وتطورها، ويثير قضاياها، ويناقش ما دار فى فلك تاريخها، فاستحق شكر الباحثين وثناءهم، وتكريم مؤسسة الملك فيصل (رحمه الله) الخيرية، حيث كان أول فائز بجائزتها.
وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التى اعتمدت البحث العلمى مجالا رائدا للدراسة فيها، وسبيلا قويما للنمو والتطور، تدرك ما لكتاب الدكتور فؤاد سزگين من أهمية،