للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل من أهم المسائل التي لفت إليها نظر القارئ بشكل خاص رأيى فى تاريخ تدوين الحديث النبوى الشريف والرواية الإسلامية فى القرون الأولى بعد الهجرة. وكان موقف بعض القرّاء الأوروبيين فى البداية سلبيا أو مترددا لظنّهم بأن الدافع وراء نظرتى إلى هذه القضية هو كونى مسلما. وانطلق أحد المستشرقين الشهيرين من هذا المنطلق ذاته حين رأى فى تقييمى « ... موقفا تقليديا يرفض معظم نتائج الدراسات الإسلامية التى توصل إليها الغربيون». بيد أن هذا الحكم القاسى الذى لا يتماشى مع مضمون الكتاب لم يكن له ذلك التأثير الكبير على أولئك الزملاء من المستشرقين الذين وقفوا إلى جانبى، كما لم يقلل من أثره على بعض الدراسات، وإن لم يصرح بذلك أحيانا.

وجاء الاعتراض أيضا من قبل بعض القراء العرب، الذين اطّلعوا على جزء واحد فقط من الكتاب ترجم إلى العربية، على ما كتبته عن الإمام البخارى، رحمه الله، كمصنف كتاب فى الأحاديث النبوية الشريفة التى دافعت عن قدم كتابتها وتدوينها وتصنيفها، فاعتبرت عمله حلقة هامة فى تاريخ علم الحديث وأرجعت الحكم بأنه أول من صنّف أو أسند الأحاديث النبوية الشريفة، إلى تصورات وهمية حديثة المنشأ ظهرت فى بعض الدراسات الأوروبية فى منقلب القرن التاسع عشر إلى العشرين وتوصلت إلى استنتاج الواقع المسجل فى ما ترك لنا المحدّثون من الأخبار والكتب وأصول تحمّل العلم. ولقد لاقى رأيى هذا قبولا لدى كثير من القراء العرب الآخرين، وآمل أن تساهم قراءة المجلدات الأخرى بعد ترجمتها إلى العربية فى زيادة وتعميق التفهم لفكرة أساسية فى كتابى تقول بأن اشتغال المسلمين بالعلوم عامة بدأ فى عهد أقدم بكثير مما هو شائع بين معظم الباحثين والمتخصصين فى هذا المجال.

ولقد كان ما لمسته من رغبة قوية فى ترجمة الكتاب إلى العربية فور نشره من أسباب سعادتى العميقة. وقام الدكتور محمود فهمى حجازى والدكتور فهمى أبو الفضل بنقل المجلد الأول منه إلى العربية. وتم نشر القسم الأول منه فى سنة ١٩٧١ م على نفقة الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقد فارقنا الدكتور فهمى أبو الفضل إلى رحمته تعالى قبل ذلك فلم يكتب له أن يرى ما ترجمه منشورا. وواصل الدكتور حجازى تصحيح ما ترجم فتمّ نشر ترجمة القسمين الأول والثانى اللذين يزيدان على ثلثى الأصل الألمانى للمجلد الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>